منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الإسلام دين الوسطية

اذهب الى الأسفل

الإسلام دين الوسطية Empty الإسلام دين الوسطية

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الأربعاء يناير 31, 2024 8:54 pm

تعدُّ الوسطية من أعظم الخصائص التي تميزت بها الأمة الإسلامية، الوسطية بمفهومها الشامل المرتكز على معنى الخيرية والعدالة قال الزمخشري: وقيل للخيار وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل، والأوساط محمية محوطة.
والوسطية هي: اتباع النصوص، لا اتباع الأهواء ولا الآراء.
وهي: كون الإنسان في دائرة المشروع لا إفراط ولا تفريط.
قال الأوزاعي -رحمه الله-: ما من أَمْرٍ أَمَرَ اللهُ به، إلا عارض الشيطانُ فيه بخصلتين، ولا يبالى أيهما أصاب: الغلو، أو التقصير.
قال تعالى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} أي: عدولا خيارا، ومنه قوله تعالى: قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون، أي: خيرهم، وأعدلهم.
وقد حث الإسلام على التوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية؛ فالإسلام وسط بين رعاية حقوق الفرد وحقوق المجتمع، ووسطية الإسلام تسعى إلى تحقيق التوازن في حياة الإنسان الروحية والمادية وفق فطرة الله التي فطر الناس عليها، وتحقيق التوازن فيفهم طبيعة عالم الشهادة وعالم الغيب، والتعامل وفق هذا الفهم المتوازن؛ لأن الإسلام دين يراعي متطلبات الروح والجسد معًا على السواء.
هذه السمة المميزة هي "الوسطية" التي تعني اتخاذ المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط، والتي تعمل على تحقيق التوازن القائم على التوسط بين طرفين متضادين، والتي تدفع أهلها للالتزام بروح الإسلام وهداه؛ فيقيمون العدل، وينشرون الخير، ويبذلون المعروف، ويحققون عبودية الله تعالى، ويعمرون الأرض، ويراعون حقوق الإنسانية بين بني البشر، ويعطون كل ذي حقٍّ حقَّه، فالوسطية هي الاعتدال في كل أمور الدين والدنيا.
هذا؛ والشرع داع إلى التوسط، والاعتدال، فهو الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، فالإنسان خلق ضعيفا، يعتريه الفتور، والكسل، وتعرض له الشواغل، ويتقلب بين قوة وضعف، وصحة ومرض، فكان الاعتدال هو المناسب له، المتفق مع حاله، وإن أحس من نفسه همة عالية وقوة، فجنح إلى التشدد، فمرده إلى الضعف، وانقطاع المسير.
فقد حث النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرِّفق بالنفس فلا يجهد الإنسان نفسهُ في العبادة؛ لِأن لا يَنْقَطع ويمل فعليهِ أنهُ يقتصد في العبادة ويرفق بنفسهِ ليكون هذا ادعى للاستمرار ويكون هذا أيضًا أوفر للراحة فالذي يشتد على نفسهِ  بالعبادة قد يمل ويترك العبادة قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- "يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ" فعلى المُسلم أنهُ يتوسط ﻻيشتد في العبادة على نفسهِ ولا يُفرط ويترك العبادة، فيكون مُعْتَدِلًا في العِبادة حتى يكون هذا أدعى لاسْتِمْرَارِهِ فِيها.
ففي الحديث: إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا... رواه البخاري، وفي رواية: القصد القصد تبلغوا.
وفي الحديث"إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله فإن المُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى"
بعض مظاهر الوسطية في الإسلام
- ففي باب الاعتقاد
نجد الإسلام وسطا بين الملل، فلا إلحاد من الذين ينكرون وجود الخالق، ويؤمنون بأزليَّة المادَّة، وأنَّ كلَّ ما على الأرض من مظاهرٍ بما فيها الحياة وتطورها ووجود الإنسان هي مَحضُ صُدفةٍ، نتجت عن الحركة الدَّائمة للمادَّة، فينفون فكرة الإله تماماً
ولا عبادة أحجار التي استهوت اليوم أزيد من ثلث سكان العالم، بل عبادة خالصة لله تعالى، على الوجه المشروع، الذي دل عليه الدليل الصحيح، في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، من غير تشبيه، ولا تعطيل. { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
وسطية الإسلام في الأنبياء
المسلمون وسَط في اعتقادهم بأنبياء الله، يؤمنون بهم جميعا، لا يفرقون بين أحد منهم، ولكنهم يجزمون بأن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتمهم، ويجب اتباعه دون سواه.
قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، مَا حَلَّ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي )).
والمسلمون لا يغلون في نبيهم غلو النصارى في عيسى عليه السلام، انطلاقا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ». ولا يجفون عنه جفاء اليهود لأنبيائهم، حيث كذبوهم وأهانوهم، بل عذبوهم وقتلوهم.
وفي الوقت الحاضر بعضهم يقولون: إنهم مجرد مصلحين اجتماعيين في أوقاتهم فحسب، أما الآن فما أتوا به غير مناسب لهذا الوقت!.
الوسطية والاعتدال  والتوازن بين مطالب الدنيا ومطالب الآخرة
ووسطية أهل الإسلام المستقيمين على هديه، تبدو في الاعتدال والتوازن بين مطالب الدنيا والنظرة إليها، ومطالب الآخرة والعمل لها، والأخذ بالأسباب المؤدية إلى ذلك، دون إفراط أو تفريط، ودون إسراف أو تقتير، قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.
يقول ابن كثير -رحمه الله-: أَيِ: اسْتَعْمِلْ مَا وَهَبَكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ الْجَزِيلِ وَالنِّعْمَةِ الطَّائِلَةِ، فِي طَاعَةِ رَبِّكَ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، الَّتِي يَحْصُلُ لَكَ بِهَا الثَّوَابُ فِي الدار الآخرة. {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أَيْ: مِمَّا أَبَاحَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَنَاكَحِ، فَإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حَقًّا، وَلِزَوْرِكِ عَلَيْكَ حَقًّا، فَآتِ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ.
والله تعالى يقول: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.
فالإسلام وسط بين من غلا في أمر الدنيا، ونسي ربه ولم يهتم بالآخرة، وبين من غلا في أمر الآخرة، ونظر إلى الدنيا نظرة ازدراء وابتعاد. وهكذا التوازن بين مطالب البدن ومطالب القلب.
وسطية الإسلام في العبادة:
الإسلام وسط في عباداته وشعائره بين الأديان التي ألغت الجانب " الرباني " ــ جانب العبادة، كالبوذية التي اقتصرت فروضها على الجانب الأخلاقي الإنساني وحده. .
وبين الأديان والنحل التي طلبت من أتباعها التفرغ للعبادة والانقطاع عن الحياة والانتاج، كالرهبانية المسيحية.
فالإسلام يكلف المسلم أداء شعائر محدودة في اليوم كالصلاة، أو في السنة كالصوم، أو في العُمُر مرة كالحج، ليظل دائما موصولا بالله، غير مقطوع عن رضاه، ثم يطلقه بعد ذلك ساعيا منتجا، يمشي في مناكب الأرض، ويأكل من رزق الله.
إن تشريع الله في العبادة، تشريع متوسط معتدل، بين الإفراط والتفريط، والغلو والتقصير: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَوَاتِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا، أي: كانت معتدلة، وسطًا بين الطول والقصر.
ولعل أوضح دليل يذكر هنا: الآيات الآمرة بصلاة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
فهذا شأن المسلم مع الدين والحياة حتى في يوم الجمعة: بيع وعمل للدنيا قبل الصلاة، ثم سعي إلى ذكر الله وإلى الصلاة وترك للبيع والشراء وما أشبهه من مشاغل الحياة، ثم انتشار في الأرض وابتغاء الرزق من جديد بعد انقضاء الصلاة، مع عدم الغفلة عن ذكر الله كثيرا في كل حال، فهو أساس الفلاح والنجاح.
لقد بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ثلاثة رهط، أراد أحدهم أن يصلي الليل أبدًا، وأراد ثانيهم أن يصوم الدهر ولا يفطر، وعزم الثالث على أن يعتزل النساء. . ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم-  لم يقر هذا الاتجاه فبادر بعلاجه، وصحح نظرتهم لتحصيل خشية الله وتقواه؛ فبين أنها ليست بالتضلع من أعمال والتفريط في أخرى، ولكنها تحصل بالموازنة بين جميع مطالب الله، وهذا هو عين الوسطية والحكمة والاستقامة والاعتدال والعدل

وأقرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قول سلمان لأبي الدرداء -رضي الله عنها-: (( إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)).
والتشريع الإسلامي وسط في شؤون الأسرة
فلن تجد أعظم من الإسلام وسطية واعتدالا، فللرجل حقوقه، وللمرأة حقوقها، وللآباء حقوقهم، وللأبناء حقوقهم، وللإخوة حقوقهم، وللأقارب حقوقهم، وللجيران حقوقهم، كل ذلك في إطار من التوازن، يضمن تماسك المجتمع، ويحقق التكامل بين أفراده. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ .
تشريع وسط بين الذين شرعوا تعدد الزوجات بغير عدد ولا قيد، وبين الذين رفضوه وأنكروه ولو اقتضته المصلحة وفرضته الضرورة والحاجة.
فقد شرع الإسلام هذا الزواج بشرط القدرة على الإحصان والإنفاق، والثقة بالعدل بين الزوجتين، فإن خاف ألا يعدل، لزمه الاقتصار على واحدة. كما قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}.
- تشريع وسط في الطلاق
بين الذين حرموا الطلاق، لأي سبب كان، ولو استحالت الحياة الزوجية إلى الجحيم لا يطاق، كالكاثوليك، وقريب منهم الذين حرموه إلا لعلة الزنا والخيانة  الزوجية كالأرثوذوكس. . وبين الذين أرخوا العنان في أمر الطلاق، فلم يقيدوه بقيد، أو شرط، فمن طلب الطلاق من امرأة أو رجل كان أمره بيده، وبذلك سهل هدم الحياة الزوجية بأوهى سبب، وأصبح هذا الميثاق الغليظ أوهى من بيت العنكبوت.
إنما شرع الإسلام الطلاق، عندما تفشل كل وسائل العلاج الأخرى، ولا يُجدي تحكيم ولا اصلاح، ثم إذا وقع الطلاق يستطيع المطلق مرة ومرة أن يراجع مطلقته ويعيدها إلى حظيرة الزوجية من جديد. كما قال تعالى: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
كيف نحقق الوسطية:
إن ما يحقق الوسطية في المجتمع أمور من تمسك بها فقد حقق الوسطية على الوجه المطلوب، أهمها وأعظمها هو:
- التمسك بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

فهما الواقيان من الوقوع في الخطأ، والخروج عن الصراط الذي ارتضاه الله لعباده، وارتضاه رسوله -صلى الله عليه وسلم- لأمته، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.


كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى