منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاستمرار في الطاعة بعد شهر رمضان

اذهب الى الأسفل

الاستمرار في الطاعة بعد شهر رمضان  Empty الاستمرار في الطاعة بعد شهر رمضان

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الخميس أبريل 11, 2024 9:17 pm

الحمدُ لله الذي بنِعمتِه تتمُّ الصالِحات، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ مَن سارَعَ إلى الخَيرات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه أهلِ التقوَى والصالِحات.
عباد الله:
كنا من أيام قليلة نعيش في جو عظيم، مليء بالسعادة والطاعة، كان التنافس فيه من أجل إرضاء رب العالمين، فالصيام والقيام وتلاوة القرآن والصدقة والإحسان كل ذلك كنا نحرص عليه في رمضان، ولم لا وهو شهر تضاعف فيه الأجور، وتعتق فيه الرقاب من النيران.
فخرج المحسنون بعظيم الثواب، وخرج المتكاسلون المفرطون بالندم والخسران وكثير من الذنوب والآثام.
وهذا يدل على عدل الله تعالى بين عباده، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
وهكذا يكون الحال يوم القيامة عندما يفترق الناس إلى أشقياء وسعداء، قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ  * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾
إننا نحتاج إلى مراجعة أوراقنا وحساباتنا قبل أن نترك هذه الدنيا ما دام في العمر بقية، قال عمر - رضي الله عنه -: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية).
إن بعض الناس يتعبدون في شهر رمضان خاصة، فيحافظون فيه على الصلوات في المساجد، ويكثرون من البذل والإحسان وتلاوة القرآن، فإذا انتهى رمضان تكاسلوا عن الطاعات، وبخلوا بما كانوا يبذلون من الصدقات، وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، ولم يعلم هؤلاء أن تكفير رمضان وغيره للسيئات مقيد باجتناب الكبائر، قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).
إن اجتهاد بعض الناس في رمضان لا ينفع شيئاً عند الله إذا أُتبع بترك الواجبات والوقوع في المعاصي والسيئات. وقد سُئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان، فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان.
عبادَ الله: الحِرصَ الحِرصَ على قَبُول الأعمال، والحذَرَ الحذَرَ مِن الإفلاسِ والزوالِ، ألا وإن مِن الخسارةِ الكُبرَى أن تُسدِيَ لغيرِك أعظمَ ما تحصَّلتَ عليه مِن الحسنات، فذلك هو الإفلاسُ الحقيقيُّ.
جاء عن أبي هُريرة - رضي الله تعالى عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرُون مَن المُفلِس؟»، قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا درهَمَ له ولا متاع، فقال: «المُفلِسُ مِن أمَّتِي مَن يأتِي يوم القِيامةِ بصَلاةٍ وصِيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكَلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضرَبَ هذا، فيُعطَى هذا مِن حسناتِه، وهذا مِن حسناتِه، فإن فنِيَت حسناتُ قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ مِن خطاياهم فطُرِحَت عليه ثم طُرِح في النار» (رواه مسلم).

عبادَ الله: وإن الاستِهانةَ بمعصِيةِ الله، والتجرُّؤ على حُرُماتِه مِن أعظم أسباب الإفلاسِ والخُسران والضياع والخُذلان.
فعن ثَوبان - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأعلَمَنَّ أقوامًا مِن أمَّتِي يأتُون يوم القيامة بأعمالٍ أمثالِ جِبال تِهامة بيضاء، فيجعلُها الله هباءً منثُورًا»، قال ثَوبَان: يا رسولَ الله! صِفهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلَم، قال: «أما إنَّهم إخوانُكم ومِن جلدَتِكم، ويأخُذُون مِن الليل كما تأخُذُون، ولكنَّهم قومٌ إذا خلَوا بمحارِمِ الله انتَهَكُوها».
عبادَ الله: الأسباب المعينة على الإستمرار في الطاعة كثيرة جداً - ولعلي أذكر هنا بعضها - بما يناسب الحال ، فمنها :
- اجعل لك جزءاً من الطاعات لا تفرّط أو تتكاسل عنها أبداً - بعد العناية التامّة بأعظمها وأهمّها : وهي الفرائض - فهناك سنن لا تسمح لنفسك التفريط بها البتة أهمّها ( السنن الرواتب وصلاة الوتر ) لأنّ المحافِظ على هاتين العبادتين لن يضيّع الفريضة ولن يتكاسل عن أدائها فهي كالسياج والسور لها .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله قال ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )
وعنه أيضا أنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"
- مما يعينك على الإستمرار : أن توقن أنّ للطاعة أثرا على القلب وراحة للنفس وأنها سببٌ لتيسير الأمور وتفريج الهموم والغموم ؛ فإذا استحضرت هذا سارعت لأن تُحافظ على الطاعات ولزمتها على الدوام واعلم أنك كما حمدت ربك وشعرت بفرح عظيم بعد انتهاء رمضان فأيقن أنّك ستحمده أعظم الحمد يوم لقائه وذلك عند رؤيتك كثرة الطاعات وثوابها  ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد).
واعلم أنه ليس لانقضاء العبادة غاية إلى الموت كما قال تعالى لنبيه: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}.
- مما يعينك على الإستمرار على العمل الصالح : ( مجاهدة النفس ) . فمن أراد الخير وطمع في جنة عرضها السماء والأرض فعليه بمجاهدة نفسه - فجاهد نفسك على الصيام ، جاهدها على قراءة القرآن ، جاهدها على النوافل...فيوشك أن تُحط الرحال وننتقل لدار الجزاء .
- عدم اليأس من الجد والعمل الصالح فمهما حصل من تقصير يعالجه العودة كل حين للعمل الصالح ، فاجتهد أن تبادر للعمل كلما ضعفت ولا تيأس ، فالمرء لا يزال على خير مادام ينوي الخير ويجتهد في فعله، قيل للحسن البصري: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا أي باليأس من التوبة والكف عنها، فلا تملوا من الاستغفار.
- ( القليل فيه الدوام ) فلا تثقل على نفسك بكثرة الأعمال فالقليل فيه ضمان الإستمرار وفيه استمرار تعلق القلب بالله وطاعته وفوزاً بحسن الخاتمة .
- ( الصحبة الصحبة ) فهي خير معين لك على الإستمرار على العمل الصالح فتعاون أنت والرفاق في الأعمال الصالحة واختر من تذكرك رؤيته بالعمل الصالح وتعينك صحبته على فعل مايُرضي الله .
- ومما يعينك : أن تتذكّر بإنقضاء رمضان انقضاء العمر ، وبمضي أيامه مضي الزمان ، فالخلود ليس له طريق في الدنيا ، وهو محال على بني البشر ، فكما انتهى رمضان سينتهي العمر وتُسلم الروح لباريها ، فإياك والتسويف وطول الأمل والتكاسل عن الطاعات.

اللهم اجعَلنا مِمَّن تقبَّلتَ صِيامَه وقِيامَه، اللهم اجعَلنا مِمَّن تقبَّلتَ صِيامَه وقِيامَه، وسائرَ أعمالِه.
اللهم أعِد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمِنةً مديدة ونحن في صحَّةٍ وعافِيةٍ وأمنٍ وأمانٍ.
اللهم أطِل أعمارَنا، وأحسِن أعمالَنا، واختِم لنا بخيرٍ يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك يا أكرم الأكرمين، كما مننت علينا بالطاعة في رمضان، أن تمن علينا بها بعد رمضان.. وكما وفقتنا للقرآن في رمضان أن توفقنا له بعد رمضان. وكما وفقتنا للقيام في رمضان، أن توفقنا له بعد رمضان. آمين.

كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى