منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اللغة العربية لغة القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل

اللغة العربية لغة القرآن الكريم Empty اللغة العربية لغة القرآن الكريم

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الخميس ديسمبر 23, 2021 8:22 pm

مكانةُ اللغةِ العربيةِ لغةِ القرآنِ
لقد خلقَ اللهُ تعالى الناسَ وجعلَ اختلافَ ألسنَتِهِم ولغاتِهِم آيةً كونيةً مِن آياتِ اللهِ تعالى. فقالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم:22). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ – رحمَهُ اللهُ تعالى – :“يعنِي: اللغات، فهؤلاء بلغةِ العربِ، وهؤلاء كرجٌ، وهؤلاء رومٌ، وهؤلاء إفرنجٌ، وهؤلاء بربرٌ، وهؤلاء حبشةٌ، وهؤلاء هنودٌ، وهؤلاء عجمٌ، وهؤلاء صقالبةٌ، وهؤلاء خزرٌ، وهؤلاء أرمنٌ، وهؤلاء أكرادٌ، إلى غيرِ ذلك مما لا يعلمهُ إلا اللهُ مِن اختلافِ لغاتِ بني آدمَ، {إنّ في ذلك لآياتٍ للعالمين}.”أ.هـ
ومِن أفضلِ هذه اللغاتِ ( اللغةُ العربيةُ )، حيثُ حظيتْ بمكانةٍ وأهميةٍ عُظمى في الإسلامِ ، وكفى بها شرفًا وفخرًا أنّها لغةُ القرآنِ الكريمِ . قالَ تعالى: { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }( يوسف: 2). وقال – عزّ وجلّ -: { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.0 فصلت: 3 ). وقال جلّ ذكرهُ: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}( الشورى: 7). إلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ التي تشيدُ بعربيةِ القرآنِ الكريمِ .
 وإذا كان اللهُ تعالى اصطفىَ من الملائكةِ جبريلَ ، ومن الرسلِ محمدًا صلى اللهُ عليه وسلم، ومن الشهورِ شهرَ رمضان ، ومن الأيامِ يومَ الجمعةِ ، ومن الليالي ليلةَ القدرِ . فإنّ اللهَ – سبحانَهُ وتعالى – اختارَ لأمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم أفضلَ اللغاتِ وهي العربيةُ ،  يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ – في تفسيرهِ – معللًا لاختيارِ العربيةِ لغةً للقرآنِ الكريمِ: « وذلك لأنّ لغةَ العربِ أفصحُ اللغاتِ وأبينُهَا وأوسعُهَا، وأكثرُهَا تأديةً للمعاني التي تقومُ بالنفوسِ؛ فلهذا أُنزلَ أشرفُ الكتبِ بأشرفِ اللغاتِ، على أشرفِ الرسلِ، بسفارةِ أشرفِ الملائكةِ، وكان ذلك في أشرفِ بقاعِ الأرضِ، وابتُدِئَ إنزالُهُ في أشرف شهورِ السنةِ وهو رمضانُ، فَكَمُلَ من كلِّ الوجوهِ، ولهذا قال تعالى: {نحنُ نقصُّ عليكَ أحسنَ القصصِ بما أوحينَا إليكَ هذا القرآنَ} بسببِ إيحائِنَا إليكَ هذا القرآنَ».أ.هـ

وارتبطت اللغة العربية بهذا الكتاب المُنَزَّل المحفوظ، فهي محفوظة ما دام محفوظًا، فارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم كان سببًا في بقائها وانتشارها حتى قيل: لولا القرآن ما كانت عربية.
  ولَمَّا ضَاقتْ قُريشٌ بالقُرآنِ الكريمِ وبأُسلُوبِهِ وبَيَانِه ذْرعاً, طَلَبَتْ من الوليدِ ابنِ المُغيرةِ أنْ يَقولَ في القُرآنِ قَولًا يَبْلُغُ قَومَهُ أنَّهُ كَارِهٌ لَهُ، ومُنكِرٌ لهُ! فقَالَ الوليدُ: وَمَاذَا أَقُولُ فَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاَوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاَهُ, مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ!
  أسمِعتم هذا الوَصفَ البَليغَ من أهلِ البلاغَةِ والُّلغةِ؟! ألا يَحِقُ لَكم يا عرَبُ أنْ تَفخَروا بِلُغَتِكُم وتُحافِظُوا عليها وَتَذُودُوا عن حِياضِهَا؟! فالقُرآنُ الكَريمُ نَزَلَ بها، فَقَالَ سُبحانَهُ:  (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: 192- 195].
من آيات الله البينات على عظيم قدرته، وحسن إبداعه، وإتقان خلقه، اختلاف البشر في أشكالهم، وألوانهم ولغاتهم، فرغم أن أصلهم واحد، فأبوهم آدم وأمهم حواء إلا أنهم انقسموا إلى أجناس وقبائل وألسن وألوان مختلفة لا يعلم عددها إلا الله - تعالى -، كما قال - سبحانه وتعالى -: ] وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [(الروم: 22).
إن اختلاف لغات البشر آية عظيمة، فهم مع اتحادهم في النوع كان اختلاف لغاتهم آية دالة على ما كَوَّنَه الله - تعالى -في غريزة البشر من اختلاف التفكير، وتنويع التصرف في وضع اللغات، وتبدل كيفياتها باللهجات والتخفيف، والحذف، والزيادة، بحيث تتغير الأصول المتحدة إلى لغات كثيرة.
وامتن الله - تعالى -على الإنسان بأن خلقه، ثم أتبع ذلك بذكر نعمة قدرته على التعبير عما في نفسه إما بالنطق وهو أكمل، وإما بالإشارة إذا عجز عن النطق، وذلك في قوله - تعالى -: ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ )
(الرحمن: 1-4)، فقدَّم جل ثناؤه ذكر البيان على جميع ما توحَّد بخلقه، وتفرَّد بإنشائه من شمس، وقمر، ونجم، وشجر، وغير ذلك، ولمَّا خصَّ الله جل ثناؤه اللسانَ العربي بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة وواقعة دونه.
إرسال الرسل بلغات أقوامهم:
ما ترك الله المكلفين حتى بيَّن لهم السبيل إليه، فأرسل لهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وعلَّمهم ما يحتاجون العلم به، كما قال - سبحانه -: ] رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [(النساء: 165) وكل رسول بعثه الله - تعالى - إنما بعثه من نفس قومه، لا من غيرهم، يعرفونه ويعرفهم، ويتكلم بلغتهم، كما في قوله - سبحانه -: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الَعَزِيزُ الحَكِيمُ" (إبراهيم: 4) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لم يبعث الله نبيًّا إلا بلغة قومه) [3].
(وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)
وقال ابن كثير معللاً اختيار العربية لغة للقرآن الكريم: «وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات».
العالم الفرنسي مارسي، الذي يقول: “من السهل جداً تعلم أصول اللغة العربية؛ فقواعدها التي تظهر معقدة لأول نظرة هي قياسية ومضبوطة بشكل عجيب لا يكاد يصدق؛ فذو الذهن المتوسط يستطيع تحصيلها بأشهر قليلة وبجهد متعدل”.
ومن هؤلاء أيضاً المستشرقة الألمانية آنا ماري شميل، التي وضعت مقدمة للترجمة الألمانية للقرآن الكريم، تقول فيها: ” واللغة العربية لغة موسيقية للغاية، ولا أستطيع أن أقول إلا أنها لغة أهل الجنة”.
بل هـي السبيل لضبط الدين بالكليـة كما قـال ابن تيمية: «إنَّ الله لما أنزل كتابَه باللسان العربي، وجعل رسولَه مبلِّغاً عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السَّابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّينِ ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدِّين، وأقرب إلى إقامةِ شعائر الدين.
قال: الأصمعي «إن أخوف ما أخاف على طالب العلم، إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)[13]؛ لأنه صلى الله عليه وسلم  لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه».
ومن أمثلة التفاسير الخاطئة المبنية على الجهل بالعربية قول من زَعَم أنه يجوزُ للرجلِ نكاح تسع حرائر، مستدلاًّ بقوله - تعالى -: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، فالمجموع تسع نسوة؛ قال الشاطبي: "ولم يشعر بمعنى فُعال ومفعل، وأنَّ معنى الآية: فانكحوا إن شئتم اثنتين اثنتين، أو ثلاثًا ثلاثًا، أو أربعًا أربعًا"[39].
ومن ذلك قول من قال: إنَّ المحرَّمَ من الخنزير إنما هو اللَّحم، وأمَّا الشَّحمُ فحلال؛ لأنَّ القرآن إنما حرَّمَ اللحم دون الشحم، ولو عرف أنَّ اللحم يُطلقُ على الشحمِ، بخلاف الشحم فلا يطلقُ على اللحمِ، لَمَا قال ما قال.
وَمِمَّا يذكرُ فِي هَذَا السِّيَاق ” مَا رَوَاهُ أحد اللغويين، قَالَ: مَرَرْتُ فِي طريقيِ فَرَأَيْتُ جَنَازَةً تُشَيَّعُ، وَسمعتُ رجلًا يسْأَل: من المتوفِّي (بِالْيَاءِ وكَسرِ الفَاء) فَقلتُ لَهُ: اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَضُرِبتُ حَتَّى كِدتُ أَمُوت.” (درة الغواص في أوهام الخواص – للحريري
ومن ذلك قول من قال في حديث: ((لا تسبُّوا الدَّهر؛ فإنَّ الله هو الدهر، يقلِّبُ الليلَ والنهار))؛ بأنَّ فيه مذهب الدهرية، وهذا جهل، فإنَّ المعنى: لا تسبوا الدَّهرَ إذا أصابتكم مصائب، ولا تنسبوها إليه، فإنَّ الله هو الذي أصابكم، فإنكم إذا سببتم الدهرَ، وقع السبُّ على الفاعل لا على الدهر.
والدهريّة هو اعتقاد فكري ظهر في فترة ما قبل الإسلام، ويشتقّ المصطلح من الدهر لاعتبارها الزمان أو الدهر السبب الأول للوجود وأنّه غير مخلوق ولا نهائي، وتعتبر الدهريّة أن المادّة لا فناء لها.، ويعدّ هذا الاعتقاد قريبًا من اعتقاد اللادينيّة والإلحاد والمادّيّة. وذكر في القرآن عنهم: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، وذكرهم أيضًا أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل
بـ"معطلة العرب" وقال أن بينهم ثلاث مجموعات:
مجموعة تنكر الخالق، والبعث.
مجموعة تقرّ بالخالق، وتنكر البعث.
مجموعة تقرّ بالخالق والخلق الأول، وتنكر الرسل.
لقد مضى على العربية زمان كان شباب أوربا يفاخرون بتعلمها وينافسون أقرانهم في إتقانها، حتى أصدرت الكنيسة قرارًا قالت فيه: إن هؤلاء الشبان الرقعاء الذين يبدؤون كلامهم بلغات بلادهم، ثم يكملون كلامهم باللغة العربية لنعلم أنهم تعلموا في مدارس المسلمين، هؤلاء إن لم يكفوا عن ذلك فستصدر الكنيسة ضدهم قرارات حرمان [16]. ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى؛ لأنهم زهدوا في اللغة اللاتينية، ونشأ لهم غرام بالعربية، فأخذوا يتقنون آدابها، ويتغنون بأشعارها، ويكتبون بها كأبنائها، ويعجبون ببلاغتها إعجاب أهلها بها [17].
عباد الله إن بالعلم باللغة العربية تحصل إقامةُ الحجة على الناس:
وهذا داخلٌ في عموم قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: 135]، فلا يمكن أن يكونَ الإنسانُ شاهدًا لله إذا لم يكن فاهمًا لما يشهدُ به؛ لأنَّ العلمَ شرطٌ في الشهادة؛ لقول الله - تعالى -:  ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [يوسف: 81]، ولقوله - تعالى -: ﴿ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]، فلا يمكن أن يشهدَ الشَّاهدُ بما لا يعلمه ولا يفهمه، ولا بد أن يكونَ الإنسانُ فاهمًا لما يشهد به؛ حتى تقبلَ شهادتُه على ذلك.
والله - تعالى - جعل هذه الأمَّةَ شاهدةً على الناس؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، ولا يمكن أن تتمَّ الشهادة على النَّاسِ إذا كنت لا تفهم ما تشهد به، وليس هناك وسيلة للاطلاعِ من خلالها على أحوالِ النَّاس وما كذبوا به أنبياءهم إلا القرآن، والقرآنُ بلسان عربي مبين، فإذا لم تفهم هذا، فلا يمكن أن تكونَ شاهدًا على الناس، فإذا جاء نوحٌ يوم القيامة يخاصمُه قومُه، فقالوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذير، فقال: بلى، قد مكثتُ فيكم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فيُقال: من يشهدُ لك؟ فيقول: محمدٌ وأمته، فإذا كنتَ لا تفهم الآياتِ التي جاءت في قصةِ نوح، فلا يمكن أن تكونَ من الشهداءِ على هذا؛ لأنَّ الشهادةَ من شرطِها العلم.
ومن ذلك أيضًا ما ورد في حديثِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسرعكنَّ لحاقًا بي أطولكنَّ يدًا))، قاله لنسائه، فحسبْنه من الطولِ الذي هو ضد القصر، فظنت سَوْدة إحدى زوجاته أنَّها المرادة، فلما ماتت زينب - رضي الله عنها - قبلها، علمْنَ حينئذٍ أنَّ المراد بالطولِ هو الفضل والكرم، وكانت زينبُ أكثرهنَّ صدقة، وهذا يوافق كلامَ العرب؛ فهم يقولون: فلان أطول يدًا، في حالةِ الكرم.
وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لَمُخْتَرَعَاتِ؟!
أَنَا الْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَاءَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي؟
  فاللغةُ تُعدُّ مكوناً أساسياً في بنيةِ الهُوِيّةِ الوطنيّةِ لأيِّ مجتمعٍ من المجتمعاتِ. فهي التي تميّزُ الإنسانَ عن غيرهِ مِن المخلوقاتِ، وهي وسيلتُهُ للتعبيرِ عن المشاعرِ والأحاسيسِ والحاجاتِ، بالإضافةِ إلى أنّها وعاءُ التفكيرِ لديهِ. واللغةُ أيضاً من أهمِّ ما يميزُ أمةً عن غيرِهَا من الأممِ الأخرى، فهي بمثابةِ جوازُ السفرِ أو الوثيقةُ التي يحملُهَا الفردُ أينما رحلَ وحلَّ، ويقولُ الفيلسوفُ (فيخته) «إنّ الذين يتكلمون بلغةٍ واحدةٍ يشكّلون كيانًا واحدًا متكاملًا بروابطَ متينةٍ وإنْ تكن غيرَ مرئيةٍ». فالإنسانُ لا يُعرفُ من خلالِ ملبسهِ أو مأكلهِ فقط، بل من خلالِ أهمِّ مكونٍ للهُويّةِ وهو اللسانُ.

إنّ تمسُّكَنَا بلغتِنَا وهويتِنَا العربيةِ يجعلُنَا كبارًا في أعينِ الآخرين. يقولُ ابنُ شبرمة: «إذا سرَّكَ أنْ تعظمَ في عينِ مَن كنتَ في عينه صغيرًا، أو يصغرَ في عينِكَ مَن كان فيها كبيرًا، فتعلمْ العربيةَ ” (الآداب الشرعية لابن مفلح).

ومن الآثار الواردة في عناية الصحابة باللغة العربية ما جاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ».
والمحافظةُ على لغتِنَا وهويتِنَا يكونُ :إنشاءُ مراكزٍ لتعليمِ القرآنِ الكريمِ، وتعيينُ المتخصّصين والمؤهلين فيها، حيثُ إنّ أساسَ اللغةِ العربية هو القرآنُ الكريمُ لذا يجبُ التفقُّهُ بهِ والحرصُ على تعلّمهِ، وحفظهِ، وتدبّرِ آياتهِ.
 إنشاءُ مراكزٍ لتعليمِ اللغةِ العربيةِ بإشرافِ عددٍ من المعلمين المؤهّلين عليها.
 الاهتمامُ بتعليمِ العلومِ الشرعيّةِ باستخدامِ اللغةِ العربيةِ، والعلومِ الطبيعيّةِ أيضاً، وذلك قدرَ الإمكانِ.
الإشرافُ بشكلٍ مباشرٍ على المناهجِ التربويّةِ بشكلٍ يُنَشّئُ الأجيالَ القادمةَ على حبِّ اللغةِ العربيّة.ِ
استخدامُ اللغةِ العربيةِ وتوظيفُهَا في كلِّ مناحي الحياةِ وجميعِ المؤسّساتِ الإداريةِ، والتربويةِ، والعمليةِ، وتشجيعُ الطلابِ على استعمالِها في جميعِ المراحلِ التعليميّةِ من الابتدائيةِ حتى الجامعيةِ.
تربيةُ الأبناءِ وتنشئةُ النشءِ على تعلمِ اللغةِ العربيةِ والحرصِ عليها وعدمِ إهمالِهَا، فاللهَ اللهَ في لغتِنَا، اللهَ اللهَ في المحافظةِ عليها والعملِ على إتقانِهَا؛ رفعةً لدينِنَا ورفعةً للغتِنَا ومحافظةً على هويتِنَا .
أيها السادةُ : إن للمجتمعاتِ الإسلاميةِ هويةً موحدةً، هويةً جاءَ الإسلامُ بالحثِّ على التمسكِ بها, فهي تُوحِّدُ المسلمين, توحِّدُ أكثرَ مِن مليارِ شخصٍ على ظهرِ الأرضِ ليكونوا مجتمعًا واحدًا, ليكونوا إخوةً كما قال ربُّنَا ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) [الحجرات: 10 وصدقَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إذْ يقولُ كما في صحيحِ مسلمٍ من حديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) فالمحافظةُ على الهويةِ مطلبٌ شرعيٌّ وواجبٌ دينيٌّ وواجبٌ وطنيٌّ ومسؤوليةٌ مجتمعيةٌ، والمحافظةُ على الهويةِ سببٌ لتقدمِ الأممِ والشعوبِ، وضياعُ الهويةِ ضياعٌ للدنيا والدينِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ . ومِن مظاهرِ الاعتزازِ بالهويةِ: الحديثُ باللغةِ العربيةِ، فنحن بلدٌ عربيٌّ مسلمٌ، لغتُنَا العربيةُ، وكتابُ ربِّنَا ودستورُ بلدِنَا عربيٌّ ، ومع ذلك أصبحَ البعضُ يتحدثُ بغيرِ العربيةِ من غيرِ حاجةٍ ومن ذلك كتابة اللوحات وأسماء المحلات وغيرها، ففي كلِّ بلدٍ تطأهُ قدمُك ستجدُ أهلَ البلدِ يتحدثون لغتَهُ, ويعتزون بها, ولو كان لا يتحدثُهَا غيرُهُم، وستضطرُ لتعلمِ لغتِهم أو الاستعانةِ بمترجمٍ، أمّا في بلدِنَا وبعضِ البلاد الأخرى إذا أتى الأجنبيُّ حادثنَاهُ بلغتِهِ، أو اضطررَنَا نحن للاستعانةِ بمترجمٍ يارب سلم.
وواللهِ ثم واللهِ ما تأخرتْ الأمةُ الإسلاميةُ إلا يومَ أنْ تخلتْ عن هويتِهَا الإسلاميةِ ولسانِها العربيِّ، أمةُ الهاديِ تستحي أنْ تقولَ: إنّها مسلمةٌ، ولا تُمانعُ مِن حذفِ لسانِها العربيِّ في المحافلِ الدوليةِ، مستبدلةً إياهُ بما عجمَ وارطنَ، وصدقَ ربُّنَا إذ يقولُ ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة: 6] و يقولُ عمرُ بنُ الخطابِ -رضي اللهُ عنه-: “نحنُ قومٌ أعزَّنَا اللهُ بالإسلامِ ، فإنْ ابتغينَا العزةَ بغيرِه أذلنَا اللهُ، أمةٌ راحتْ تلهثُ وراءَ الشرقِ والغربِ وتركتْ هويتَهَا  لذا أدركَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- هذه الحقيقةَ، وحذرَ منها غايةَ التحذيرِ كما في البخاريِ ومسلمٍ من حديثِ  أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) هل هذه هي أمةٌ دستورُها القرآنُ ..، ونبيُّهَا المصطفي العدنانُ .. ولغتُهَا أغنى اللغاتِ !!!

كمال أحمد زكي

المساهمات : 129
نقاط : 349
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى