منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحديث الموضوع العلامة أحمد شاكر

اذهب الى الأسفل

الحديث الموضوع العلامة أحمد شاكر Empty الحديث الموضوع العلامة أحمد شاكر

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الجمعة فبراير 18, 2022 10:26 pm

الخبر الموضوع: هو المختلق المصنوع، وهو الذي نسبه الكذابون المفترون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شر أنواع الرواية ومن علم أن حديثا من الأحاديث موضوعا فلا يحل له أن يرويه منسوبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا مقرونا ببيان وضعه. وهذا الحذر عام في جميع المعاني، سواء الأحكام، والقصص، والترغيب والترهيب، وغيرها. لحديث سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ حدث عَنِّي بحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِيْنِ» رواه مسلم في صحيحه، ورواه أحمد وابن ماجة عن سمرة [1]. وقوله: " يرى" فيه روايتان: بضم الياء وفتحها، أي بالبناء للمجهول وبالبناء للمعلوم، وقوله " الكاذبين فيه روايتان أيضا: بكسر الباء وبفتحها، أي بلفظ الجمع، وبلفظ المثنى. والمعنى على الروايتين في اللفظين صحيح .. فسواء أَعَلِم الشخص أن الحديث الذي يرويه مكذوب، بأن كان من أهل العلم بهذه الصناعة الشريفة، أم لم يعلم، إن كان من غير أهلها، وأخبره العالم الثقة بها - فإنه يحرم عليه أن يحدث بحديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما مع بيان حاله فلا بأس، لأن البيان يزيل من ذهن السامع أو القارئ ما يخشى من اعتقاد نسبته إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
ويعرف وضع الحديث بأمور كثيرة، يعرفها الجهابذة النقاد من أئمة هذا العلم: منها إقرار واضعه بذلك. كما روى البخاري في التاريخ الأوسط [2] عن عمر بن صبح بن عمران التميمي أنه قال: أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. وكما أقر ميسرة بن عبد ربه الفارسي [3] أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن، وأنه وضع في فضل علي سبعين حديثا. وكما أقر أبو عصمة نوح ابن أبي مريم، الملقب بنوح الجامع [4]، أنه وضع على ابن عباس أحاديث في فضائل القرآن سورة سورة.
ومنها: ماينزل منزلة إقراره. كأن يحدث عن شيخ بحديث لا يعرف إلا عنده، ثم يسأل عن مولده، فيذكر تاريخا معينا، ثم يتبين من مقارنة تاريخ ولادة الراوي =
_____
[1] مقدمة ((صحيح مسلم)) 1/ 8، والمسند (30/ 121، 150، 174)، وابن ماجة (39)
[2] التاريخ الأوسط 2/ 210.مطبوع خطأ باسم الصغير
[3] انظر تاريخ بغداد 15/ 297
[4] انظر الإرشاد 3/ 901
= بتاريخ وفاة الشيخ المروي عنه أن الراوي ولد بعد وفاة شيخه، أو أن الشيخ توفي والراوي طفل لا يدرك الرواية، أو غير ذلك كما ادعى مأمون ابن أحمد الهروي أنه سمع من هشام بن عمار، فسأله الحافظ ابن حبان: متى دخلت الشام؟ قال: سنة خمسين ومائتين، فقال له: فإن هشاماً الذي تروي عنه مات سنة 245، فقال: هذا هشام ابن عمار آخر! ! [1].
وقد يعرف الوضع أيضا بقرائن في الراوي، أو المروي، أو فيهما معا. فمن أمثلة ذلك: ما أسنده الحاكم [2] عن سيف بن عمر التميمي قال: " كنت عند سعد ابن طريف، فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المسكين! ! ". وسعد بن طريف هذا قال فيه ابن معين: " لا يحل لأحد أن يروي عنه ". وقال ابن حبان: " كان يضع الحديث ". وراوي القصة عنه، سيف بن عمر، قال فيه الحاكم: " اتهم بالزندقة، وهو في الرواية ساقط ".
وقيل لمأمون بن أحمد الهروي: " ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ ! فقال: حدثنا أحمد بن عبد الله - كذا في لسان الميزان (ج 5 ص 7 - Cool وفي التدريب (ص 100) [3] أحمد بن عبد البر - حدثنا عبد الله ابن معدان الأزدي عن أنس، مرفوعا: يكون في أمتي رجل يقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة، هو سراج أمتي! ! ".
وكما فعل محمد بن عكاشة الكرماني الكذاب [4]: " قال الحاكم: بلغني أنه كان ممن يضع الحديث حسبة. فقيل له: إن قوما يرفعون أيديهم في الركوع وعند الرفع منه؟ فقال: حدثنا المسيب ابن واضح حدثنا عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له! فهذا مع كونه كذبا من أنجس الكذب، فإن الرواية عن =
_____
[1] انظر المجروحين 3/ 45
[2] المدخل إلى كتاب الإكليل ص 56
[3] تدريب 1/ 328
[4] المدخل إلى كتاب الإكليل ص 139
= الزهري بهذا السند بالغة مبلغ القطع بإثبات الرفع عند الركوع وعند الاعتدال، وهي في الموطأ [1] وسائر كتب الحديث " أ. هـ من لسان الميزان (ج 5 ص 288 - 289).
ومن القرائن في المروي: أن يكون ركيكا لا يعقل أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضعت أحاديث طويلة، يشهد لوضعها ركاكة لفظها ومعانيها. قال الحافظ ابن حجر [2]: "المدار في الركة على ركة المعنى، فحيثما وجدت دلت على الوضع، وإن لم ينضم إليها ركة اللفظ، لأن هذا الدين كله محاسن. والركة ترجع إلى الرداءة. أما ركاكة اللفظ فقط فلا تدل على ذلك لاحتمال أن يكون رواه بالمعنى فغير ألفاظه بغير فصيح. نعم، إن صرح بأنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكاذب ". وقال الربيع بن خثيم [3]: "إن للحديث ضوءا كضوء النهار، تعرفه، وظلمة كظلمة الليل، تنكره " [4]. وقال ابن الجوزي [5]: " الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم، وينفر منه قلبه في الغالب ". قال البلقيني [6]: "وشاهد هذا: أن إنسانا لو خدم إنسانا سنين، وعرف ما يحب وما يكره، فادعى إنسان أنه كان يكره شيئا يعلم ذلك أنه يحبه، فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيبه ". وقال الحافظ ابن حجر [7]: " ومما يدخل في قرينة حال المروي ما نقل عن الخطيب عن أبي بكر بن الطيب: أن من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل ويلتحق به ما يدفعه الحِسُ والمشاهدة، أو يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أوالإجماع القطعي. أما المعارضة مع إمكان الجمع؛ فلا. =
_____
[1] الموطأ رقم (245)
[2] التدريب 1/ 325 بهذا اللفظ، وانظر النكت لابن حجر 2/ 844 بمعناه
[3] الإِمَامُ، القُدْوَةُ، العَابِدُ، أَبُو يَزِيْدَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمِ بنِ عَائِذٍ، كان عبد الله بن مسعود يقول له: يا أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين توفّي -رحمه الله- فِي ولَايَة عبيد الله بن زِيَاد. "تذكرة الحفاظ"1/ 57
[4] أنظر: الكامل 1/ 69، الكفاية 2/ 555
[5] الموضوعات 1/ 103
[6] "محاسن الاصطلاح مع المقدمة " ص 283
= ومنها ما يصرح بتكذيب رواة جمع المتواتر، أو يكون خبرا عن أمر جسيم تتوفر الدواعي على نقله بمحضر الجمع، ثم لا ينقله منهم إلا واحد. ومنها الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الصغير، أو الوعد العظيم على الفعل الحقير. وهذا كثير في حديث القصاص، والأخير راجع إلى الركة ". قال السيوطي [1]: " ومن القرائن كون الراوي رافضياً والحديث في فضائل أهل البيت".
ومن المخالف للعقل ما رواه ابن الجوزي [2] من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده مرفوعا: "إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعا، وصلت عند المقام ركعتين! " فهذا من سخافات عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقد ثبت عنه من طريق أخرى نقلها في التهذيب (ج 6/ص 179) عن الساجي عن الربيع عن الشافعي قال: "قيل لعبد الرحمن بن زيد حدثك أبوك عن جدك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلف المقام ركعتين! ؟ قال: نعم! ! ". وقد عُرف عبد الرحمن بمثل هذه الغرائب، حتى قال الشافعي فيما نقل في التهذيب [3]-: " ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا، فقال: "اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح! "
وروى ابن الجوزي [4] أيضا من طريق محمد بن شجاع الثلجي - بالثاء المثلثة والجيم-، عن حَبان - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة - ابن هلال عن حماد بن سلمة عن أبي المُهَزّمِ عن أبي هريرة مرفوعا: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت، فخلق نفسه منها! ! " قال السيوطي في التدريب [5]: " هذا لا يضعه مسلم، والمتهم به محمد بن شجاع، كان زائغا في دينه، وفيه أبو المهزم، قال شعبة: رَأيتُه، لو أعطي درهما وضع خمسين حديثا"! !
والأسباب التي دعت الكذابين الوضاعين إلى الافتراء ووضع الحديث كثيرة: =
_____
[1] التدريب 1/ 326
[2] الموضوعات 1/ 143
[3] تهذيب الكمال 17/ 118
[4] الموضوعات 1/ 149
[5] التدريب 1/ 328
= فمنهم الزنادقة، الذين أرادوا أن يفسدوا على الناس دينهم، لِما وقر في نفوسهم من الحقد على الإسلام وأهله، يظهرون بين الناس بمظهر المسلمين، وهم المنافقون حقا.
قال حماد بن زيد [1]: " وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث ".
كعبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة، على الزندقة، بعد سنة 160، في خلافة المهدي. ولما أخذ لتضرب عنقه قال: " لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث، أحرم فيها الحلال، وأحلل الحرام"
وكبيان بن سمعان النهدي، من بني تميم، ظهر بالعراق بعد المائة، وادعى - لعنه الله - إلاهية علي - كرم الله وجه - وزعم مزاعم فاسدة. ثم قتله خالد بن عبد الله القسري، وأحرقه بالنار.
وكمحمد بن سعيد بن حسان الأسدي الشامي المصلوب: قال أحمد بن حنبل: " قتله أبو جعفر المنصور في الزندقة، حديثه حديث موضوع " [2]. وقال أحمد بن صالح المصري [3]: " زنديق، ضربت عنقه، ، وضع أربعة آلاف حديث عند هؤلاء الحمقى، فاحذروها ". وقال الحاكم أبو أحمد [4]: " كان يضع الحديث، صلب على الزندقة ". وحكى عنه الحاكم أبو عبد الله [5]: أنه روى عن حميد عن أنس مرفوعاً: أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، إلا أن يشاء الله ". وقال: " وضع هذا الاستثناء لما كان يدعوا إليه من الالحاد والزندقة والدعوة إلى التنبي ". ومنهم أصحاب الأهواء والآراء التي لا دليل لها من الكتاب والسنة، وضعوا أحاديث نُصرة لأهوائهم، كالخطابية [6]، والرافضة وغيرهم. قال عبد الله بن يزيد المقرئ: " إن رجلا من أهل =
_____
[1] الموضوعات 1/ 19، وانظر الكفاية 2/ 554 وفيه أثنى عشر ألفا
[2] العلل ومعرفة الرجال (2697)
[3] تهذيب التهذيب 9/ 164
[4] المرجع السابق
[5] المدخل إلى كتاب الإكليل ص 128
[6] هم أتباع أبي الخطاب الأسدي وهم خمس فرق، يقولون أن الإمامة كانت في أولاد علي إلى أن انتهت إلى محمد بن جعفر الصادق ويقولون إن الأئمة كانوا آلهة وكان أبو الخطاب يقول في أيامه أن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباؤه، وكان يقول إن جعفرا إله فلما بلغ ذلك جعفرا لعنه وطرده وكان أبو الخطاب يدعي بعد ذلك الإلهية. " التبصير في الدين" (126) لطاهر بن محمد الإسفراييني طبعة عالم الكتب - بيروت.
= البدع رجع عن بدعته، فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه! فإنا كنا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا! ".
وقال حماد بن سلمة: " أخبرني شيخ من الرافضة أنهم كانوا يجتمعون على وضع الأحاديث ".
وقال أبو العباس القرطبي [1] صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم: " استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دل عليه القياس الجلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبة قولية، فيقولون في ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا! ! ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء، ولأنهم لا يقيمون لها سندا ".نقله السخاوي في شرح ألفية العراقي (ص 111) [2]، والمتبولي في مقدمة شرحه على الجامع الصغير.
ومنهم القصاص: يضعون الأحاديث في قصصهم، قصدا للتكسب والارتزاق، وتقربا للعامة بغرائب الروايات. ولهم في هذا غرائب وعجائب، وصفاقة وجه لا توصف. كما حكى أبو حاتم البستي [3]: أنه دخل مسجدا، فقام بعد الصلاة شاب فقال: " حدثنا أبو خليفة: حدثنا أبو الوليد عن شعبة عن قتادة عن أنس " وذكر حديثا، قال أبو حاتم: " فلما فرغ دعوته، قلت: رأيت أبا خليفة؟ قال: لا، قلت: كيف تروي عنه ولم تراه؟ فقال: إن المناقشة معنا من قلة المروءة! ! أنا أحفظ هذا الإسناد، فكلما سمعت حديثا ضممته إلى هذا الإسناد! ! ".
وأغرب منه ما روى ابن الجوزي [4] بإسناده إلى أبي جعفر بن محمد الطيالسي =
_____
= يقول في أيامه أن أولاد الحسن والحسين كانوا أبناء الله وأحباؤه، وكان يقول إن جعفرا إله فلما بلغ ذلك جعفرا لعنه وطرده وكان أبو الخطاب يدعي بعد ذلك الإلهية. " التبصير في الدين" (126) لطاهر بن محمد الإسفراييني طبعة عالم الكتب - بيروت.
[1] أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم، الأنصاري القرطبي 578 - 656 هـ[الوافي بالوفيات 7/ 173]
[2] فتح المغيث 2/ 120
[3] مقدمة المجروحين
[4] الموضوعات 1/ 33
= قال: " صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين، قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله خلق الله كل كلمة منها طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان " وأخذ في قصة نحواً من عشرين ورقة فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدثته بهذا، فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة، فلما فرغ من قصصه وأخذ العطيات ثم قعد ينتظر بقيتها قال له يحيى بن معين بيده تعال فجاء متوهما النوال، فقال له يحيى من حدثك بهذا الحديث، فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، ما تحققت هذا إلا الساعة! كأنَّ ليس فيها يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما! وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين! ! فوضع أحمد كُمَّه على وجههِ، وقال: دعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما "! ! .
وأكثر هؤلاء القصاص جهال تشبهوا بأهل العلم، واندسوا بينهم، فأفسدوا كثيرا من عقول العامة. ويشبههم بعض علماء السوء، الذين اشتروا الدنيا بالآخرة، وتقربوا إلى الملوك والأمراء والخلفاء، بالفتاوى الكاذبة والأقوال المخترعة، التي نسبوها إلى الشريعة البريئة، واجترءوا على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إرضاءا للأهواء الشخصية، ونصرا للأغراض السياسية، فاستحبوا العمى على الهدى. كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكوفي الكذاب الخبيث، كما وصفه إمام أهل الجرح والتعديل، يحيى بن معين -: فإنه دخل على أمير المؤمنين المهدي، وكان المهدي يحب الحمام ويلعب به، فإذا قدامه حمام، فقيل له: حدث أمير المؤمنين فقال: حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر أو جناح، فأمر له المهدي بِبَدْرَةٍ، فلما قام قال: أشهد على قفاك أنه قفا كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم! ثم قال المهدي: أنا حملته على ذلك، ثم أمر بذبح الحمام، ورفض ما كان فيه [1]. =
_____
[1] المدخل للإكليل ص 55
= وفعل نحوا من ذلك مع أمير المؤمنين الرشيد، فوضع له حديثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطير الحمام. فلما عرضه على الرشيد قال: اخرج عني، فطرده عن بابه [1].
وكما فعل مقاتل بن سليمان البلخي [2]، من كبار العلماء بالتفسير، فإنه كان يتقرب إلى الخلفاء بنحو ذلك. حكى أبو عبيد الله وزير المهدي قال: " قال لي المهدي: ألا ترى إلى ما يقول لي هذا - يعني مقاتلاً -؟ قال: إذا شئت وضعت لك أحاديث في العباس؟ ! قلت: لا حاجة لي فيها " [3].
وشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررا قوم يَنسِبون أنفسهم إلى الزهد والتصوف، لم يتحرجوا عن وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، احتسابا للأجر عند الله، ورغبة في حض الناس على عمل الخير واجتناب المعاصي، فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون. وقد اغتر بهم كثير من العامة وأشباههم، فصدقوهم، ووثقوا بهم، لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعا للصدق، ولا أهلا للثقة.
وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلا بالسنة، لحسن ظنهم وسلامة صدروهم، فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالا وأقل إثما من أولئك. ولكن الوضاعون منهم أشد خطرا، لخفاء حالهم على كثير من الناس. ولولا رجال صدقوا في الإخلاص لله، ونصبوا أنفسهم للدفاع عن دينهم، وتفرغوا للذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفنوا أعمارهم في التمييز بين الحديث الثابت وبين الحديث المكذوب، وهم أئمة السنة وأعلام الهدى -: لولا =
_____
[1] الموضوعات 3/ 12
[2] أَبُو الحَسَنِ مُقَاتِلُ بنُ سُلَيْمَانَ البَلْخِيُّ. قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: مَا أَحْسَنَ تَفْسِيْرَهُ لَوْ كَانَ ثِقَةً، وقَالَ وَكِيْعٌ: كَانَ كَذَّاباً، وقَالَ البُخَارِيُّ: مُقَاتِلٌ لا شَيْءَ البَتَّةَ. مَاتَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ."السير" 7/ 202
[3] أنظر المدخل للإكليل ص 137، وكذلك "تاريخ بغداد" (13/ 167)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (60/ 126)
= هؤلاء لاختلط الأمر على العلماء والدهماء؛ ولسقطت الثقة بالأحاديث: رسموا قواعد للنقد، ووضعوا علم الجرح والتعديل، فكان من عملهم علم مصطلح الحديث، وهو أدق الطرق التي ظهرت في العلم للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل. فجزاهم الله عن الأمة والدين أحسن الجزاء، ورفع درجاتهم في الدنيا والأخرة، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين.
وقد قيل لعبد الله ابن المبارك الإمام الكبير: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة (إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون) [1].
ومن الأحاديث الموضوعة المعروفة: الحديث المروي عن أبي بن كعب مرفوعا في فضائل القرآن سورة سورة. وقد ذكره بعض المفسرين في تفاسيرهم، كالثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي وقد أخطأوا في ذلك خطأ شديدا. قال الحافظ العراقي [2]: " لكن من أبرز إسناده منهم كالأولين - يعني الثعلبي والواحدي - فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده وإن كان لا يجوز له السكوت عليه وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم - فخطؤه أفحش ". وأكثر الأحاديث الموضوعة كلام اختلقه الواضع من عند نفسه. وبعضهم جاء لكلام بعض الحكماء، أو لبعض الأمثال العربية، فركب لها إسنادا مكذوبا؛ ونسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من قوله. وقد يأتي الوضع من الراوي غير مقصود له، وليس هذا من باب الموضوع بل هو من باب المدرج، كما حدث لثابت بن موسى الزاهد في حديث: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ". وقد سبق تفصيلا في باب المدرج. [شاكر]
_____
[1] الكامل 1/ 103
[2] شرح التبصرة ص 125.

كمال أحمد زكي

المساهمات : 129
نقاط : 349
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى