منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

العمل عبادة

اذهب الى الأسفل

العمل عبادة Empty العمل عبادة

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الجمعة يوليو 14, 2023 12:34 am

لقد من اللهُ تعالى على عباده بأن سخر لهم الأرض ليستخرجوا ثرواتها بالعمل والجد فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } وذلَّلَ البحرَ للطعام والحِلْيَةِ وجريان السفن مع بقية صور الانتفاع، فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
وقد أمر الله عباده بالعمل قال تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستؤدون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون} أمر بالعمل بعد العبادةِ وهو في ذاته عبادةٌ يؤجر عليها العبد مع النية الطيبة، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾.
ورفع الإسلام منزلة العمل، وجعَله بمنزلة الجهاد في سبيل الله؛ فقد روِيَ: أنَّ الصحابة كانوا جالسين يومًا ومرَّ عليهم رجلٌ مفتولُ العضلات، ذو نشاط، فقالَ رجل للنبي وهو يشير إلى الرجُل: لو كان هذا في سبيل الله؟ أي: لو استغلَّ هذا الرجُل قوَّته في الجهاد في سبيل الله؛ فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لو كان خرج يسعى على نفسِه يكفها المسألة، ويعفُّها عن الناس، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على أبوين ضعيفينِ، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا، فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خرج يسعى تفاخرًا وتكاثرًا، فهو في سبيل الشَّيطان).
وعن أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه قال: (أن رجلًا من الأنصارِ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسألُه فقال أمَا في بيتِكَ شيءٌ؟ قال بلى حِلْسٌ نلبسُ بعضَه ونَبسطُ بعضَه وقعبٌ نشربُ فيه من الماءِ - والحلس هو الكساء والقعب هو الإناء - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذينِ؟ قال رجلٌ أنا آخذهما بدرهمٍ قال من يزيد على درهمٍ؟ مرتينِ أو ثلاثًا قال: رجلٌ أنا آخذُهما بدرهمينِ فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمينِ وأعطاهما الأنصاريَّ وقال اشترِ بأحدِهما طعامًا فانبِذْهُ إلى أهلِكَ واشترِ بالآخر قدُّومًا فأتني به - والقدوم آلة تشبه الفأس - فأتاه به فشدَّ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيدِه ثم قال له اذهبْ فاحتطبْ وبعْ ولا أَرَينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا فذهب الرجلُ يحتطبُ ويبيعُ فجاء وقد أصاب عشرةَ دراهمَ فاشتَرَى ببعضِها ثوبًا وببعضِها طعامًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خيرٌ لكَ من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ إنَّ المسألةَ لا تصلَحُ إلا لثلاثةٍ لذي فقرٍ مُدْقِعٍ أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ).
يعني: المسألة تحل عند ثلاث أحوال:
فقر مدقع: أي: شديد، يسأل بمقدار حاجته فإذا وجد ما يسد حاجته وحاجة أولاده يمسك.
وغرم مفظع، يعني: دين كبير أو غرامة كبيرة، كأن يسعى رجل في صلح بين قبيلتين أو بين قريتين أو بين شخصين أو بين زوجين، ويتحمل في ذمته أموالا يعطيها للمتخاصمين، فهذا يسأل حتى يسدد هذا المال الذي تحمله حتى ولو كان غنيا وحتى ولو من الزكاة  تشجيعا له على هذا العمل النبيل.
ودم موجع وَالْمُرَادُ دَمٌ يُوجِعُ الْقَاتِلَ وَأَوْلِيَاءَهُ بِأَنْ تَلْزَمَهُ الدِّيَةُ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يُؤَدِّون بِهِ الدِّيَةَ، وَيَطْلُبُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ مِنْهُمْ الدية، وَتَنْبَعِثُ الْفِتْنَةُ وَالْمُخَاصَمَةُ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُوجِعُ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ فَلَا تَكَادُ ثَائِرَةُ الْفِتْنَةِ تُطْفَأُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَقُومُ لَهُ مَنْ يَتَحَمَّلُ الْحَمَالَةَ وقيل هو أن يتحمل دية عن قاتل ويسعى فيها حتى يعفو عنه أولياء المقتول ولا يقتصون منه، فإن لم يؤدها، قتل المتحمل عنه، فيوجعه قتله.
صور من عمل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المجتمع كله في العمل، لا يأنف من أي عملٍ يَدَويٍّ يقوم به ما دام مشروعاً ففي شباب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كان قد خرج في رحلات متتابعة للتجارة في مال السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها وقبلها كان يخرج في رحلة الشتاء والصيف إلى اليمن والشام مع عمه أبي طالب، وقد رعى الغنم في مكة قبل بعثته المباركة، وقال في ذلك: (ما بعث اللهُ نبيًّا إلا رعى الغنمَ. فقال أصحابُه: وأنت؟ فقال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ). والقيراط هو نوع من النقود.
وفي بناء المسجد النبوي الشريف تتجلى قيمةُ العمل في الإسلام حيث يقوم رأس الدولة ذاته بالعمل في البناء وحمل الحجارة فلما رأى الأصحاب ما لا مثيل له في قيادات البشرية قالوا:
لئنْ قَعَدْنَا والنَّبي يعْمَلُ ♦♦♦ لذَاكَ منَّا العَمَلُ المضَلَّلُ
وكذلك في غزوة الأحزاب كان يمسك المعول بيده الشريفة ويفتت به الحجارة الصماء في شق الخندق، وكان الصحابة الكرام يرونَ الغبار على جلدة بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم.
وفي بيته المبارك حيث تتنزل الملائكة تتجلى قيمة العمل، فقد روى عروة ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه سأل خالته ام المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بقوله: (قُلْتُ لعائشةَ: يا أمَّ المؤمنينَ أيُّ شيءٍ كان يصنَعُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان عندَكِ؟ قالت: ما يفعَلُ أحدُكم في مِهنةِ أهلِه يخصِفُ نعلَه ويَخيطُ ثوبَه ويرقَعُ دَلْوَه)

الأنبياء والعمل:
لم يكن الأنبياء المطهرين عليهم السلام في معزلٍ عن العمل، فعن نبي الله داوود عليه السلام قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيرًا من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه)، فقد كان نبي الله داود عليه السلام يعمل في صناعة الدروع الحديدية وما شابهها كما قال عزّ وجل: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
ومن قصة موسى الكليم عليه السلام في أرض مدين نجد أنه قد وافقَ أن يكون أجيرا لسنوات عديدة، يعملُ ويعرق وهو من أولى العزم الكبار، قال الله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾.

من أخلاق العمل في الاسلام:
وقد ضبط الإسلام الحنيف أخلاق أتباعه في ميدان العمل وفرض عليهم بذل الجهد وإتقان العمل لوجه الله لا لمراءاة الناس، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ). وإنقان العمل لا يتأتى إلا بالعلم فبدون العلم يفسد الإنسان أكثر مما يصلح.
كذلك لا بد أن يكون العمل صالحا وخالصا لوجه الله مصداقا لقوله {فمن كان يرجو لقاء ربه فيعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.
وفرض الإسلام على أتباعه في مجال العمل عدم الغش للسلعة، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ على صُبرةِ طعامٍ. فأدخلَ يدَهُ فيها. فنالت أصابعُهُ بللًا. فقالَ ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتهُ السَّماءُ. يا رسولَ اللَّهِ! قالَ أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي).
ومن أخلاق العمل في الإسلام أن لا يتقاضى رشوة على عمله، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: (استَعمَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلًا على صَدَقاتِ بني سُلَيمٍ، يُدعَى ابنَ اللُّتْبِيَّةَ، فلمَّا جاء قال: هذا مالُكم وهذا هديةٌ. فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطيبا على المنبر، فحمِد اللهَ وأثنَى عليه، ثم قال: أمَّا بعدُ، فإني أستعمِلُ الرجلَ منكم على العملِ مما ولَّاني اللهُ، فيأتي فيقولُ: هذا مالُكم وهذا هديةٌ أُهدِيَتْ لي، أفلا جلَس في بيتِ أبيه وأمِّه حتى تأتيَه هديتُه، إن كان صادقا، واللهِ لا يأخُذُ أحدٌ منكم شيئًا بغيرِ حقِّه إلا لَقيَ اللهَ يحمِلُه يومَ القيامةِ، فلَأعرِفَنَّ أحدًا منكم لَقيَ اللهَ يحمِلُ بعيرًا له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيْعَرَ. ثم رفَع يدَه حتى رُئِيَ بَياضَ إِبْطِه، يقولُ: اللهم هل بلَّغتُ).
عباد الله لقد أعلى الله - تعالى - من شأن العمل، وحث المؤمنين عليه، وجعله عبادة يؤجر عليها العبد عند اقترانها بالنية الخالصة لله -تعالى-، حيث يقصد المؤمن من عمله إعمار الأرض، والارتقاء بمكانة المسلمين، قال -تعالى-: (منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى