منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نصرة المظلوم

اذهب الى الأسفل

نصرة المظلوم Empty نصرة المظلوم

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الخميس أكتوبر 12, 2023 7:17 pm

 الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وألبسَنا لباس التقوى خير لباس.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له  أشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعــد،
عبــاد الله: لقد حرص الإسلام على أن يعيش أبناؤه في ترابط وتعاون وتناصر؛ حتى يسود المجتمعَ الأمنُ والأمان، والمحبة والسلام؛ قال – تعالى - (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
ولعل من أهم الواجبات والحقوق التي على المسلم لأخيه المسلم ما ورد في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه -، حيث قال: "أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم".
فأين نحن من القيام بهذه الحقوق والواجبات كما أمرنا رسول الله  - صلى الله عليه وسلم؟ قد نقوم ببعض هذه الحقوق مع تقصيرنا الشديد فيها، فمنا من قد يزور مريضا، أو يشيع جنازة أو يشمت عاطسا، أو يجيب الداعي ويبر القسم؛ لكن، أين من ينصر مظلوما في هذا الزمان؟ وما أكثر المظلومين في زماننا! وكم يرى الناس من إنسان ينتهك عرضه وتداس كرامته ويسلب ماله ويسفك دمه ثم لا يجد من ينصره ويقف بجانبه! لقد صبح هذا الحق ضائعا وغريبا في حياتنا.
إن هذا الموقف السلبي لا يمكن أن يكون مقبولاً من أحد - فقد روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: "يا أيها الناس، إنكم لتقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه".
إن المسلم مطالب بأن يقف مع المظلوم إذا رأيت من يُظلم وتعرف أنك تستطيع أن تقف معه في مظلمته .. فعليك أن تقف معه بمالك، بجاهك، بلسانك، أن تقف معه بالشهادة معه عند قاضٍ أو عند حاكم، أن تقف في كل موطن تستطيع أن تنصره به.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة مسلم كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" رواه البخاري. قال ابن حجر -رحمه الله تعالى -: قوله "لا يسلمه" أي: لا يتركه مع من يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم.
هو لا يظلمه ابتداءً وأيضًا إذا وقع ظلم على أخيك لا يجوز أن تخذله.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "ما من امرئ يخذل امرأً مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله – تعالى - في موطن يحب فيه نصرته؛ وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".
والمعنى ليس لأحد أن يترك نصرة أخاه المؤمن مع وجود القدرة على ذلك سواء بالقول أو الفعل عند إهانته أو ضربه أو قتله أو نحوها، سواء في حضوره أو غيبته، ومن يخذل أخاه المسلم خذله الله في موضع كان يحب فيه هذا الخاذل نصرة الله وعونه، ومن ينصر أخاه المسلم ينصره الله عندما يكون في موقف يحتاج فيه إلى نصره الله وعونه.
وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -: "من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة".
الخطبة الثانية:
الحمد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين..
أما بعد،
عباد الله إن الله تعالى يبغض الظلم والظالمين، فقد حرم الله الظلم على نفسه ، وحرمه على عباده ، وحذرهم أن يقعوا فيه ؛ وما ذلك إلا لعواقبه الوخيمة على الأمم، وآثاره المدمرة على المجتمعات، روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا».
ومن ثم كانت دعوة المظلوم عظيمة الشأن عند الله ، فإن أبواب السماء تفتح لها ، ويرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ويقول لها وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.
وإن انتشار الظلم والتسلط من القوي على الضعيف وسكوت الناس على ذلك مؤذن بخراب الحال، وما ظهر الظلم بين قوم إلا كان سببا في هلاكهم ، وتعجيل العقوبة عليهم، كما قال سبحانه في كتابه العزيز: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}، ويقول نبينا - صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده! لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
إن الأمة التي لا تنتصر للضعفاء ولا يؤخذ فيها على أيدي الظالمين لهي أمة غير جديرة بنصرة الله ومعيته وتطهيره لها من الآثام، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: لما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرو الحبشة، قال: "ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟". قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها، فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم - يا غدر- إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقت صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟".
قال السندي: (يقدس الله) أي: يطهرهم من الدنس والآثام.
لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر، وأراد الإسلام لهذا الخلق أن يستمر بوجهه الخير معطيـا له معنى جديدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "انصر أخاك ظالمـا أو مظلومـا ، فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومـا ، أفرأيت إذا كان ظالمـا كيف أنصره ؟ قال : تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره". 
فإن كنت تنصر قومك وعشيرتك وعصبتك، وتمنعهم بكل الوسائل من إيقاع ظلم بمسلم - منهم أو من غيرهم - فتلك هي النصرة، وإلا فهي العصبية المقيتة المنتنة التي أمرنا بأن ندعها.

كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى