منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أسباب وعلامات حسن الخاتمة

اذهب الى الأسفل

أسباب وعلامات حسن الخاتمة  Empty أسباب وعلامات حسن الخاتمة

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الخميس فبراير 15, 2024 9:56 pm

يا عباد الله، يعيشُ الناسُ في هذه الحياة ما كَتب اللهُ لهم من الأعوام والشهور والأيام، ثم يرتحلون، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.
ومِن أعظمِ ما ينبغي أن يَحرِصَ عليه المسلم: ختامُ حياتِه وحسنُ لقاءِ ربه، فمَن وفَّقَه اللهُ للعملِ الصالحِ في آخر عُمُرِه وفي آخرِ ساعةٍ من الأجَل، فقد كَتبَ اللهُ له حُسنَ الخاتمة، ومن خُتِمَتْ ساعةُ أجلِه بعَمَلٍ سَيِّءٍ أو ذَنبٍ يُغْضِبُ اللهَ، فقد خُتِمَ له بخاتمةِ سُوءٍ - والعياذُ بالله - وَقَد حث الله تعالى في كتابه الكريم على حُسْنِ الاستعدادِ للقائِه - سبحانه وتعالى - بالعمل الصالحِ، فقال: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ كما أمَرَنَا بالحِرصِ عَلَى نَيلِ الخاتمةِ الحسَنةِ فقَالَ تَعَالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾.
وقد كان صلواتُ ربي وسلامُه عليه كان يتعوذُ بالله تعالى من شرِّ فِتنة المحيا والممات، وفِتنةُ المماتِ هي الساعةُ التي يكونُ فيها العبدُ في إدبارٍ من الدنيا وإقبالٍ على الآخرة، ويحاولُ الشيطانُ أن يفتنَهُ في دينِه ويَحُولَ بينه وبين الإيمانِ بالله، فعندها يُثبِّتُ اللهُ عز وجل المؤمنَ بالقول الثابت فيقولُ: لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة.

عباد الله، ولِحُسْنِ الخاتمة أسباب، وأعظمُ أسبابِه: إخلاصُ النيةِ لله، والصدقُ في عبادتِه وتَقْواه فيكون بينه وبين الله من الأسرار ما لا يعلمه إلا الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: "من تمنَّى الشهادة بصدقٍ بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". وقال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا).
ومنها الإيمان بالله جل وعلا؛ قال سبحانه: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾، فيُثبت الله عباده المؤمنين عند ساعة الاحتضار، ويثبت أولياءه في القبر عندما يُسألون، ويثبتهم عندما يقومون من قبورهم.
ومن أسباب حسن الخاتمة: الاستقامةُ على العمل الصالح، وهي أن يَلزم الإنسانُ طاعةَ اللهِ في كلِّ أحوالِه، فمن عاشَ على شيءٍ ماتَ عليه،  وقد بَشَّرَ اللهُ تعالى أهلَ الاستقامة بتأييد الملائكةِ وتثبيتِهم لهم عند الممات، قال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعملَه، فقيل: كيف يستعملُه يا رسولَ اللهِ؟ قال: يوفِّقُه لعمَلٍ صالحٍ قبلَ الموتِ".
ومن أسباب حسن الخاتمة يا عباد الله: المحافظة على الصلوات، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: "من صلى البردين دخَل الجنة"، (والبردان هما: صلاة الفجر وصلاة العصر)، فمن حافَظ على صلاة الفجر وعلى صلاة العصر، فإنه سيحافظ على بقية الصلاة، وبالتالي سيموت بين عبادتين، وربما يموت بعد أداء العبادة مباشرة، فكم مِن شخصٍ لَقِيَ ربَّه وهو ساجد بين يديه وكم من شخص فاضت رُوحه وهو منكسرٌ بين يدي خالقه مُقبل على الله بقلبه وبدنه؟
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه أصحاب السنن .
ومن أسباب حسن الختام يا عباد الله: كثرة ذِكر الله، فغالبًا أن الإنسان عند ساعة الاحتضار ينطق بما كان يُكثر منه في حياة الدنيا.
فالذي يذكر ربَّه، ويُكثر من ذلك، يُثبته الله، وينطق بشهادة التوحيد عند ساعة الاحتضار، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة".
وهذه الكلمة -عباد الله- لا تحضر على فم الإنسان وعقله في ذلك الموقف الرهيب إلا إذا كان يعمل بها في حياته، فإذا كان بعيداً عنها فلن يستطيع أن يقولها. كما فعل ذلك رجل محتضر قيل له: قل: لا إله إلا الله؛ فقال إنه يستطيع أن يقول كل كلمة إلا هذه الكلمة. والسبب أنه لم يعش لأجلها.
اللهم اجعلها آخرَ كلمة نفارق بها هذه الدنيا يا حي يا قيوم
ومن أسباب حسن الختام: صنائع المعروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارعَ السوء" فمن كان حريصاً على تقديم المعروف والإحسان للآخر من برّ الوالدين، والصدقة، وصلة الرحم، وإعانة المحتاج، وغيرها، عافاه الله من ميتة السوء.
ومن أسباب حسن الختام: أن يُكثر المسلمُ من ذكر الموت؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثِروا مِن ذكر هادم اللذات"، فإذا أكثَر المسلم من ذكر الموت، استعدَّ بالتوبة الصادقة، وشَمَّر عن ساعد الجد بالأعمال الصالحة؛ لأنه يعلم علمَ اليقين أنه في يوم من الأيام سيُفارق الأهل والأحباب والدور والقصور والأموال، وسيوضع في حفرة مظلمة لا أنيس فيها ولا جليس، إلا ما قدَّم من الأعمال الصالحة.
كما أنَّ حُسنَ الظنِّ بالله تعالى من أهم الأسباب التي يُوَفَّقُ بها العبدُ لحُسْن الخاتمة، وهو أن يرجوَ الإنسانُ سعةَ رحمةِ الله تعالى، وكرمِه في مغفرة ذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم: " لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
ودخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شاب وهو في الموت فقال: "كيف تجدك"؟ قال: والله! يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
ومن أعظم ما يُورِثُ حُسنَ الخاتمة: الصدق في التوبة التوبةِ، فقد كانت سببًا في نجاة رجلٍ قتل مائةَ نفسٍ، لكنَّه صدَقَ في التوبة مع الله تعالى، فأكرمه اللهُ بحُسْنِ الخاتمة.
كذلك من أسباب حسن الختام أيضًا أن يُكثر المسلم من الدعاء، يسأل ربَّه بصدقٍ أن يُحسن الله خاتمته، يقول أنس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من قول: يا مقلِّب القلوب والأبصار، ثبِّت قلبي على دينك".

أيها المسلمون، إن هناك علامات تحدث عند موت بعض المسلمين، ينكشف بها حسن قدوم تلك النفس على ربها -تبارك وتعالى.
فمن تلك العلامات التي تدل على حسن الختام: أن يموت الإنسان غازياً أو مرابطاً في سبيل الله -تعالى-، قال -تعالى-: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).
ومن العلامات: أن يكون صالحاً فيموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" رواه أحمد والترمذي.  أما إذا كان غير صالح فلا بشارة له بذلك، إذا مات ليلة الجمعة أو يومها.
ومن العلامات: الموت بعرق الجبين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن يموت بعرق الجبين" رواه أحمد والترمذي والنسائي.
عباد الله، من البشارات عند الموت: أن يقتل المسلم دفاعاً عن الدين أو النفس أو المال أو العرض. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه، فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" رواه أهل السنن.
ومن العلامات -أيضاً-: موت المسلم صابراً على مرض من الأمراض كالطاعون، وداء البطن، أو السل، أو الموت بحرق أو غرق أو هدم، وموت المرأة في نفاسها. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله -عز وجل-" متفق عليه. وفي رواية: "وصاحب ذات الجَنْب شهيد، وصاحب الحَرق شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة" رواه النسائي وهو صحيح.  "بجمع"، أي: المرأة تموت من الولادة وولدها في بطنها قد تم خَلْقه. وقيل: إذا ماتت من النفاس سواء ألقت ولدها وماتت، أو ماتت وهو في بطنها.

عباد الله: ينبغي أن نعلم أن المسلم إذا مات على إحدى هذه العلامات فلا يصح أن يُجزم بأنه من أهل الجنة قطعاً وجزماً، ولكن يُرجى له ذلك، والمسلم يحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وكذلك إذا تخلفت هذه العلامات عند موت مسلم لا يعد ذلك علامةَ خسران وحكماً بالنار؛ فالعلامة المميزة في الحقيقة هي سيرة الإنسان في حياته، وعمله في عمره، فالاستقامة مع الإخلاص وحدها علامة من علامات حسن الخاتمة، وإن لم يحصل لصاحبها واحدة من العلامات المذكورة
أيها المسلمون: إن الصالحين من عباد الله ينظرون إلى الخاتمة بعين الاهتمام والاعتناء؛ خشية أن يتخبطهم الشيطان في أعقاب أيامهم، وقبيل غروب شمس حياتهم؛ فيظلون عاملين خائفين، فالقلوب بيد علام الغيوب يقلبها كيف يشاء، والنفوس أمارة بالسوء تتربص بالإنسان دوائر الشر، وفتن الشبهات والشهوات كثيرة تقف على كل طريق، والناجون قليل، والهالكون كثر.

كان سفيان الثوري -رحمه الله- يبكي فيشفق عليه أهله وقالوا: أتبكي الذنوب؟ فقال: "الذنوب أهون عليّ من هذه -وأشار إلى تبنة بيده- إنما أخاف سوء الخاتمة!". قال -تعالى-: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
وكان عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إذا صلى رفع يديه قائلاً: "اللهم أسألك المِيتة الحسنة"، فقال أبناؤه: وما هي المِيتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني وأنا ساجد، فقام وصلى فقبض الله روحه وهو ساجد. رحمه الله.
وعن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قالت: قلت: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ"، فتلا معاذ: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). رواه الترمذي.
عباد الله: إنما يخشى أهل الإيمان عمل الخاتمة؛ لأنه "من مات على شيء بعث عليه"، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيما روى أحمد والحاكم. وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: "وإنما الأعمال بالخواتيم" رواه البخاري. قال ابن رجب -رحمه الله-: أي: "صلاحها وفسادها، وقبولها وعدمه، بحسب الخاتمة".
وقصَتْ رجلاً راحلتُه وهو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يغسلوه بماء وسدر، وأن يكشفوا وجهه ورأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة وهو يُهل" رواه مسلم.
ولهذا كان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يدعو فيقول: "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة" رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم.

كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى