منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الصدق في الأقوال والأفعال والعزيمة

اذهب الى الأسفل

الصدق في الأقوال والأفعال والعزيمة Empty الصدق في الأقوال والأفعال والعزيمة

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الخميس سبتمبر 24, 2020 9:22 pm

الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدرا وأحاط بكل شيء خبرا أحمده سبحانه وأشكره نعمه علينا تترى أسبل علينا من رحمته سترا وأفرغ علينا بفضله صبرا وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال أمر بالصدق في الأقوال والأفعال وأثنى على الصادقين بالفضل والكمال وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه البررة الصادقين ومن سار على هديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد
فإنه لا يقومُ دين، ولا تستقيم دنيا إلا بالصدق، ولعظمةِ الصدق وجلاله وحُسنه وكماله، وصف الله تعالى به نفسه
عباد الله: إن دين الإسلام دين فضائل كريمة، وأخلاق نبيلة، وإن من أعظم تلك الفضائل مكانةً في دين الإسلام، وآكدها وجوباً، وأعمِّها نفعاً: التحليَ بالصدق، والاتصافَ به قولاً وعملاً، وظاهراً وباطناً، فإن الصدق أيها المؤمنون من أكرم الصفات الإنسانية، وأرقى الفضائل الأخلاقية، ومن أهمِّ الأسس في بناء المجتمع، وسعادة الأمة، إذ به يرتبط كل شأن من شؤون الحياة، وتتعلق به كل مصلحة من مصالح الناس، ولذا أمر الله عز وجل بالتحلي به، وجعله خُلُقاً لأشرف خلقه،  فكان رسول الله المثل الأعلى للبشرية في الصدق قولاً وعملاً، وكذلك كان الأنبياء والمرسلون من قبله، كما قال سبحانه عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام:  (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً)
ولقد شهد رب العالمين على صدق سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٣]، والذي جاء بالصدق هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
والصّدق هو مطابقة القول الضّمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تامّا، بل إمّا ألّا يوصف بالصّدق، وإمّا أن يوصف تارة بالصّدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد: محمّد رسول الله، فإنّ هذا يصحّ أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، ويجوز أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره، وبالوجه الثّاني، إكذاب الله المنافقين حيث قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. (المنافقون/ 1) «2» .
  وقد كان  الصدق حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  في وقت الحرب، الذي أجاز فيها النبي  الكذب على الأعداء اتِّقاء لشرِّهم ودفعًا لضررهم ، ولكن رسول الله  لم يقل أيضًا إلاَّ صدقًا، ولننظر إلى موقفه قُبيل غزوة بدر، التي خرجت فيها قريش لتستأصل المسلمين، فخرج رسول الله  ومعه أبو بكر الصديق ؛ ليتعرَّفَا أخبار قريش فوقفا على شيخٍ من العرب، فسأله رسول الله  عن قريشٍ، وعن محمدٍ وأصحابه، وما بلغه عنهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال رسول الله : “إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاكَ”. قال: أذاك بذاك؟ قال: “نَعَمْ”. قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي به رسول الله – وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا. للمكان الذي فيه قريشٌ. فلمَّا فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله : “نَحْنُ مِنْ مَاءٍ”. ثم انصرف عنه، قال يقول الشيخ: ما من ماءٍ؛ أمن ماء العراق؟ .
وقد وُصِف النبي صلى الله عليه وسلم بالصادق الأمين، وهذا ما عرفته قريش منه قبل البعثة..
روى ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: «لمّآ نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ... (الشعراء/ 214) صعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الصّفا فجعل ينادي: «يا بني فهر، يا بني عديّ» لبطون قريش حتّى اجتمعوا، فجعل الرّجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقيّ؟» . قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إلّا صدقا. قال: «فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
فقال أبو لهب: تبّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟
فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ)
فلتتحر أخي الحبيب الصدقُ مع الناس ولتتحر الصدقُ فيما يَتَعَلَّقُ بتَعامُلِكَ مع أولادِك تعامُلك مع زوجتِك فأحرص ألّا يَتعوَّدوا منك على الكذب. فمن الأمور المهمة في التربية: تربية الأولاد على الصدق. حتى يشبوا عليها وقد ألفوها في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: "دعتني أمي يوما ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدٌ فى بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( وما أردت أن تعطيه؟ ) ،قالت: أعطيه تمرا!!، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة)
!! كما ينبغي أن تتحرى الصدقُ في التجارة
فالمؤمن الذي يصدق في بيعه وشرائه، يبارك الله له في كسبه ويزيده من خيراته.. قال صلى الله عليه وسلم: (البيِّعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركـة بيعهما) ، فالبركة مقرونة بالصدق والبيان، والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان..
!!! وكذلك ينبغي أن تتحرى الصدق في الزواجِ .. فينبغي أن تصدُقَ معَ مَن تريد أن تخطِبُ منهم ، فإذا سألوك عن وظيفتك، سألوك عن حالتك المادَّية ، سألوك عن أمورك الإجتماعية، عليك أن تصدُقَ معهم لأجلِ أن يُبارِكَ الله زواجك وزوجتَك…أما إذا كذبت عليهم هنا تُنزَعُ البَرَكة…
!! وتعالوا بنا لنلقي نظرة سريعة ونرى ماذا فعل بلال رضي الله عنه عند زواج أخيه..
قام بلال رضي الله عنه مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بخطبة امرأة قرشية لأخيه فقال لأهلها ما يلي : ” نحن من قد عرفتم كنا عبدين فأعتقنا الله تعالى، وكنا ضالين فهدانا الله تعالى، وكنا فقيرين فأغنانا الله تعالى، وأنا أخطب إليكم فلانة لأخي، فإن تنكحوها له فالحمد لله تعالى، وإن تردونا فالله أكبر، فأقبل بعضهم على بعض فقالوا : بلال ممن عرفتم سابقته ومشاهده ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجوا أخاه فزوجوه، فلما انصرفوا قال له أخوه : يغفر الله لك أما كنت تذكر سوابقنا ومشاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتترك ما عدا ذلك فقال: مه يا أخي صدقت فأنكحك الصدق “
وينبغي الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن فقد ذلك بطل صدق النية، وكذلك الصدق في العزم والوفاء به كأن يقول: إن آتاني الله مالاً تصدقت به ونحوه فاصدق مع الله تعالى ترى كل خير واستحضر ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه” [مسلم(1909)] فانظر؛ لما سأل الله وكان صادقا رفعه الله إلى رتبة الشهداء.
واحذر الكذب مع الله فإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه, حيث قال: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [التوبة: 75 – 77].
وقد أنزل الله في شأن الصادقين معه آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، فقد ثبت عن أنس أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشق ذلك على قلبه، وقال: أول مشهد شهده رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غبتُ عنه، أمَا والله، لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليَرَينَّ الله ما أصنع! قال: فشهد أحدًا في العام القابل، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا أبا عمر، إلى أين؟ فقال: واهًا لريح الجنة! إني أجد ريحَها دون أُحُد، فقاتل حتى قُتِل، فوُجِد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة، فقالت أخته الرُّبَيِّع بنت النضر: ما عرفتُ أخي إلا ببنانه، فنزلت هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب: 23][رواه البخاري].
وكما يكون الصدق في الأقوال، يكون الصدق أيضا في الأفعال، فالصدق في الأفعال هو أن يكون الإنسان باطنه موافقًا لظاهره، بحيث إذا عَمل عملا يكون موافقًا لما في قلبه، فالمنافق ليس بصادق، لأنه يُظهر الإيمان وليس بمؤمن يُصلي مع الناس ويصوم مع الناس، ويتصدقُ ولكنه بخيل، وربما يحجُّ، فمَن رأى أفعاله حكمَ عليه بالصلاح، ولكنَّ هذه الأفعال لا تُنبئ عما في الباطن؛ فهي كذب يقول تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا إلى كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)
وقد أمر الله -عزَّ وجلَّ- رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق, فقال: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء: 80].وأخبر ربنا -سبحانه- عن خليله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين, فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء: 84]، وبشر ربنا عباده الصالحين بأن لهم عنده قدم صدق, فقال -سبحانه-: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [يونس: 2].  وكذلك أخبر الله -سبحانه- أن للصالحين من عباده مقعد صدق عند ربهم، فقال -سبحانه-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: 54، 55] وهذا كله يشير إلى أهمية الصدق قولاً وعملاً وسلوكًا ومنهجًا في الحياة. فهناك خمسة أشياء؛ مدخل الصدق, ومخرج الصدق, ولسان الصدق, وقدم الصدق, ومقعد الصدق. وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله، الموصل إلى الله، وهو ما كان بالله ولله، من الأقوال والأعمال والنيات، ومداخله -صلى الله عليه وسلم- ومخارجه كلها مداخل صدق ومخارج صدق، إذ هي لله وبالله وبأمره، ولابتغاء مرضاته.
أمّا لسان الصّدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصّدق وليس بالكذب؛ كما قال عن بعض الأنبياء: وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (مريم/ 50) ، والمراد باللّسان ههنا الثناء الحسن، فلمّا كان باللّسان وهو محلّه عبّر عنه به؛ لأنّ اللّسان يراد به ثلاثة معان: هذا، واللّغة كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (إبراهيم/ 4) ، وقوله- عزّ من قائل-: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ (الروم/ 22) ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ (النحل/ 103) ، ويراد به الجارحة نفسها كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
وأمّا قدم الصّدق ففسّر بالجنّة، وفسّر بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، وفسّر بالأعمال الصّالحة. وحقيقة القدم: ما قدّموه، ويقدمون عليه يوم القيامة، وهم قدّموا الأعمال والإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، ويقدمون على الجنّة؛ ومن فسّره بالأعمال وبالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلأنّهم قدّموها، وقدّموا الإيمان به بين أيديهم.
وأمّا مقعد الصّدق، فهو الجنّة عند ربّهم تبارك وتعالى.
ووصف ذلك كلّه بالصّدق مستلزم ثبوته واستقراره، وأنّه حقّ، وأنّه متّصل بالحقّ سبحانه، كان به وله.
فمدخل الصّدق ومخرج الصّدق أن يكون دخوله وخروجه حقّا ثابتا لله تعالى ومرضاته وهو ضدّ مخرج الكذب ومدخله الّذي لا غاية له يوصّل إليها. ولا له ساق ثابتة يقوم عليها؛ كمخرج أعدائه يوم بدر. ومخرج الصّدق كمخرجه هو وأصحابه في ذلك الغزو. وكذلك مدخله المدينة كان مدخل صدق بالله ولله وابتغاء مرضاة الله، فاتّصل به التّأييد، والظّفر، والنّصر، وإدراك ما طلبه في الدّنيا والآخرة؛ بخلاف مدخل الكذب الّذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب؛ فإنّه لم يكن بالله ولا لله بل محادّة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يتّصل به إلّا الخذلان والبوار.
وكذلك مدخل من دخل من اليهود والمحاربين لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصن بني قريظة؛ فإنّه لمّا كان مدخل كذب أصابهم منه ما أصابهم. وكلّ مدخل ومخرج كان بالله ولله وصاحبه ضامن على الله، فهو مدخل صدق ومخرج صدق، ولذلك فسّر مدخل الصّدق ومخرجه بخروجه من مكّة، ودخوله المدينة. ولا ريب أنّ هذا على سبيل التّمثيل؛ فإنّ هذا المدخل والمخرج من أجلّ مداخله ومخارجه صلّى الله عليه وسلّم؛ وإلّا فمداخله ومخارجه كلّها مداخل صدق ومخارج صدق إذ هي بالله، ولله، وبأمره، ولابتغاء مرضاته. وما خرج أحد من بيته أو دخل سوقا أو مدخلا آخر إلّا بصدق أو كذب.
فمدخل كلّ أحد ومخرجه لا يعدو الصّدق والكذب.
وأفضل الصَّدِّيقين على الإطلاق أصدُقُهم، وهو أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-: عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، الذي استجاب للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حين دعاه إلى الإسلام ، ولم يحصُل عنده أي تردد وأي توقُّف، فبمجرد ما دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام؛ أسلم، وصدَّق النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كذَّبَه قومه، وصدَّق النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- حين أخبر عن الإسراء والمعراج وكذبه الناس وقالوا: كيف تذهب يا محمد من مكة إلى بيت المقدس وترجع في ليلة واحدة، ثم تقول: إنك صعدت إلى السماء؟
فهذا لا يمكن، ثم ذهبوا إلى أبي بكر –رضي الله عنه- وقالوا له: أما تسمع ما يقول صاحبك؟
قال: وماذا قال؟
قالوا: إنه قال كذا وكذا.
فقال الصديق -رضي الله تعالى عنه-: ((إن كان قال؛ فقد صدق))، فمنذ ذلك اليوم سُمِّيَ بالصِّدِّيق -رضي الله تعالى وتبارك عنه
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ“. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! تِلْكَ مَنَازِلُ الأنْبِيَاءِ، لا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: “بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! رِجَالٌ آمَنُوا بِالله وَصَدَّقُولقيامة/ 16) .ا الْمُرْسَلِينَ”
الحمد لله الذي جعل في سِيَر الصالحين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وجعل في الصادقين منهم أسوة وقدوة للمقتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أجمعين.
أما بعد:
أحبتي في الله:-
الصدق من الخصال الحميدة التي تنجي صاحبها في الدنيا وترفع مكانته في الآخرة.
!! فتحروا الصدق ولورأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة.. وتعالوا بنا لنبرهن على كلامنا..
فهذا كعب بن مالك رضي الله عنه ورفاقه، صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عدم مرافقته في غزوة تبوك ولم يختلقوا الأعذار كما فعل المنافقون لما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة.٠
يقول كعب بن مالك رضي الله عنه فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ: فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ، أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ». فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ».
لقد وفق الله كعب بن مالك وصاحبيه ــ رضي الله عنهم ــ حينما تميزوا من بين الآخرين بالصدق، ولم يختلقوا أعذارًا وإنما تحدثوا بالصدق فأعقبهم الله تعالى الفلاح بأن تاب عليهم ، قال تعالى ( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ).
ولمكانة الصدق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا ما يحثُّ المسلمين عليه فيقول صلى الله عليه وسلم (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ،وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
! بل ويُوَجِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم خطابه للمسلمين قائلاً لهم: “اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ؛ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ”
وأشدُّ شيء من الكذب: أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل، كأن يَدَّعي عليه رجلٌ حقًا ثابتا، فيأتي هذا فينكر ويقول: والله ما لك عليَّ حق،
أو يدَّعي ما ليس له فيقول: لي عندك كذا وكذا، وهو كاذب.
فهذا إذا حلف على دعواه وكذب، فإن ذلك هو: اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم تغمسهُ في النار -والعياذ بالله ثبت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر-أي في تلك اليمين-، لقي الله وهو عليه غضبان)). أخرجه مسلم في صحيحه.
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغَه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)).
وعند البخاري ومسلم من طريق حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما)).

كمال أحمد زكي

المساهمات : 131
نقاط : 355
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى