منتدى كمال للعلوم العربية والإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نعمة الأمن

اذهب الى الأسفل

نعمة الأمن Empty نعمة الأمن

مُساهمة من طرف كمال أحمد زكي الجمعة مايو 03, 2024 10:23 am

الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الإِفْسَادَ فِي الأَرْضِ إِثْمًا عَظِيمًا، وَجَعَلَ لِلمُفْسِدِينَ عِقَابًا وَخِيمًا، وَنَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رَاعَى لِلإِنْسَانِ حَاجَاتِهِ، وَكَانَ الحِفَاظُ عَلَى الأَمْنِ مِنْ أَهَمِّ غَايَاتِهِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَحْمَةُ اللهِ لِلعَالَمِينَ، وَخَيْرُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.،
أما بعد:

فيا أيها المسلمون: أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فمن اتقاه وقاه وأسعدَه ولا أشقاه.

معاشر المسلمين: الأمنُ من أهمِّ مطالبِ الحياة، به تتحقَّقُ السعادة، ويحصُل الاطمئنانُ والاستِقرار، فمَنْ حَازَ نِعْمَةَ الأَمْنِ تَهَنَّأَ بِعَيْـشِهِ وَلَوِ افتَرَشَ الأَرْضَ وَالتَحَفَ السَّمَاءَ، وَمَنْ فَقَدَهُ تَنَغَّصَتْ أَيَّامُهُ وَلَوْ سَكَنَ القُصُورَ الشَّاهِقَةَ، وَحَوَى الثَّرَوَاتِ الفَائِقَةَ ، قِيلَ لأَحَدِ الحُكَمَاءِ: أَيْنَ تَجِدُ السُّرُورَ؟ قَالَ: فِي الأَمْنِ فَإِنِّي وَجَدتُ الخَائِفَ لا عَيْشَ لَهُ.

الأمن نعمةٌ كُبرى لا يعرِفُ أهميتها إلا من اكتوَى بنار فقدِها، فوقعَ في الخوف والقلق ليلاً ونهارًا، سفرًا وحضرًا.

لو انفرط عقد الأمن ساعة لرأيت كيف تعم الفوضى وتتعطل المصالح ، وتُقتَل نفوسٌ بريئة، وتُرمَّل نساء، ويُيتَّم أطفال، يَخْرُجُ رَبُّ الأُسْرَةِ طَالِبًا لِلُـقْمَةِ العَيْـشِ فِي الصَّبَاحِ، ثُمَّ يَكُونُ المَوْتُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ لُقْمَةِ عِيَالِهِ، أَوْ رُبَّمَا يَعُودُ إِلى دارِهِ فَرِحًا بِمَا جَمَعَ لِصِغَارِهِ فَلا يَجِدُ الدَّارَ وَلا الصِّغَارَ. فكَمْ مِنْ بُيُوتٍ هُدِّمَتْ فَوْقَ سَاكِنِيهَا، وَكَمْ مِنْ مُدُنٍ خَلَتْ مِنْ قَاطِنِيهَا ،إذا سلبت نعمة الأمن فشا الجهل، وشاع الظلم، وسُلبت الممتلكات، وأذيق المجتمع لباس الفقر والجوع، وتأمل فيما حولك من البلاد ستجد الواقع ناطقاً ، واسأل السودان والعراق واليمن وسوريا تجدْها على هذه الحقيقة شاهداً .

إِنَّنَا مَعَ استِشْعَارِنَا – عِبَادَ اللهِ - بِوَاجِبِنَا تِجَاهَ المَحْرُومِينَ وَالمَنْكُوبِينَ، يجب علينا أن نَسْـتَشْعِرُ نِعْمَةَ الأَمْنِ الَّتِي نَعِيشُ فِي أَكْنَافِهَا ، وَلَقَدْ صَدَقَ المُصْطَفَى (صلى الله عليه وسلم) حِينَ قَالَ: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) .

أَلَمْ تَرَوا إِلَى نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ يَوْمَ أَنْ أَرَادَ إِيوَاءَ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ فِي مِصْرَ ذَكَرَ لَهُمْ تَوَافُرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ) ، وَنَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ قَدْ قَدَّمَ الأَمْنَ عَلَى الرِّزْقِ (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، فَبَدَأَ بِالأَمْنِ قَبْـلَ الرِّزْقِ؛ لأَنَّ وُجُودَ الأَمْنِ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ، وَلأَنَّهُ لا يَطِيبُ رِزْقٌ إِلاَّ فِي ظِلالِ الأَمْنِ الوَارِفةِ. وَلَقَدِ استَجَابَ اللهُ دُعَاءَ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَجَعَلَ البَلَدَ آمِنًا، فالعرب قبل الإسلام كانت تعيش حالة من التمزُّق والفوضى والضياع، تدور بينهم حروبٌ طاحنةٌ، ومعارك ضارية، وعلت مكانة قريش من بينهم؛ لاحتضانها بيتا آمنًا ؛ قال الله جل وعلا: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ بِمَا جَاءَ مَعَ هَذَا الأَمْنِ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ فَقَالَ (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) ، فَمَعَ الأَمْنِ يَتَقَدَّمُ الاقتِصَادُ ، ويُقْدِمُ الفَرْدُ عَلَى العَمَلِ ، وَيَحْرِصُ عَلَى الإِتْقَانِ .

• وممَّا يدلُّ على حاجة المرء للأمن أنه كان أحد المسائل التي سألها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ربَّه، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: "اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لِمَا تُحِبُّ وترضى، ربُّنا وربُّكَ اللهُ"؛ والمعنى: اجعل رؤيتَنا للهلال مقترنةً بالأمن من المصائب، وبثبات الإيمان فيه، والسلامة من آفات الدنيا والدين.

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وآمِنْ رَوْعَاتِي" .

ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح منح أهل مكة أعظم ما تتوق إليه نفوسهم، فأعطى الأمان لهم، وقال: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ"

ومما اختصَّت به مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنها حين تفزع القرى من المسيح الدجَّال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ".

ومن نعيم أهل الجنة في الجنة الأمن ، لا خوف ولا فزع ولا تحول ، قال الله تعالى ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ ، وقال سبحانه ﴿ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ ، وقال جل وعلا ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ .

الخطبة الثانية :
الحمدُ لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرا.

لقَدِ اهْـتَمَّ الإسلام بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الأَمْنِ غَايَةَ الاهتِمَامِ فحرَّم كل فعلٍ يبُث الخوف والرعبَ .

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَوَّعَ مُؤْمِنًا لَمْ يُؤَمِّنِ اللهُ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وقال : "لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده، فيقع في حفرةٍ من النار" .

بل ولقد بلَغت عنايةُ الإسلام ونصوصه أن جاءت بالنهي عن كل ما يُؤذِي المسلمين في طرقاتهم وأسواقهم ومواضع حاجاتهم؛ في الحديث: "إياكم والجلوس في الطُّرُقات"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا مرَّ أحدُكم في مساجدنا أو أسواقنا ومعه نَبْلٌ؛ فليُمسِك على نِصالها أن يُصيبَ أحدًا من المسلمين منها بشيء".

وقال في حق غير المسلم المعاهد: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" ، وقال: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛

كَذَلِكَ رَتَّبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ النَّكَالِ عَلَى مَنْ يَسْعَوْنَ بِالفَسَادِ وَيُهَدِّدُونَ الأَمْنَ مَا لَمْ يُرَتِّبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الإِجْرَامِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، إِنَّهُ يَحْرُمُ كل ما يُؤَدِّيَ إِلَى التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ لِمَا لَهُ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ ، لقد كَانَ فِي مُجْـتَمَعِ الصَّحَابَةِ العَرَبِيُّ وَالحَبَشِيُّ وَالفَارِسِيُّ وَالرُّومِيُّ كَانُوا إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ، يمتثلون قَوْله عَزَّ وَجَلّ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، وقوله (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ،  فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَحَافِظُوا عَلَى نِعْمَةِ أَمْـنِكُمْ، وَوَحْدَةِ صَفِّكُمْ، وَاتِّحَادِ كَلِمَتِكُمْ، وَتَآلُفِ شَمْـلِكُمْ .

كمال أحمد زكي

المساهمات : 132
نقاط : 358
تاريخ التسجيل : 04/07/2017

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى